كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 4.5/5
بطولة : رومان دوريس ، أور آتيكا ، إيمانويل دوفوس
إخراج : جاك أوديار (2005)
إن كنت قد شاهدت من قبل
فيلم A Prophet - الفيلم الأشهر للمخرج جاك أوديار - فستجد الكثير من التشابه بينه وبين هذا الفيلم، فالأجواء
المظلمة للأعمال المشبوهة غير القانونية تلقي بظلالها على الفيلم منذ البداية، البطل
الشاب الواقع تحت تأثير سلطة أبوية تدفعه نحو الشر يمارسها الأب هنا وزعيم العصابة
الفرنسي في (النبي) هنك - يلعب كلا الدورين الممثل نيل آرستروب -
العلاقة التي تنشأ بين البطل وزوجة صديقه، وحتى في البناء الجسدي والشكلي للممثل الذي
يقوم بشخصية البطل ستجد تشابهاً - هنا رومان دوريس وهناك طاهر رحيم.
ولكن الفارق بين الفيلمين
والذي يجعل الاختلاف جوهرياً هو الهدف الذي يسلك كلاً من البطلين طريقهما من أجله،
حتى وإن تشابهت طرقهما في قتامتها وقسوتها.
في (النبي) كان مالك يسلك ذلك
الطريق المشئوم رغبة في الخروج منه، يتمادى ويهادن ويساير ما يحدث ليدفع بالأمور إلى
نهايتها، حتى وإن كانت تلك النهاية بعيدة وغير ظاهرة، بينما توم في هذا الفيلم
ليست لديه الرغبة في إنهاء أي شيء، طريقه المظلم هو أسلوب حياته التي تتوزع ما بين
عمله المشبوه ورعايته لأبيه الذي يجلب المخاطر لحياته الواحدة تلو الأخرى، وقضائه لياليه
مع فتيات مختلفات، يغلف كل ذلك بموسيقى الاليكتريك التي لا تفارق أذنيه وتناسب توتره
الدائم الذي تفرضه عليه حياته.
ولكن - للمفارقة التي
يقوم على أساسها الفيلم - تكمن هناك في الخفاء، حيث لا يدري توم ، مقاومة لكل ذلك مما
يعيشه، هذه المقاومة تنبت من لقاء صديق ومُعلّم والدته الموسيقية المتوفية، لقاء يُشعل
في نفس توم قبس من نور كان قد تم دفنه تحت طبقات من الظلام التي سيطرت على حياته واستقرت
كقاع بركة راكدة، نور كان مصدره منذ بدء حياة توم هو أمه وشغفها الموسيقي، والذي يعود
إليه توم فتهتز حياته وتبدأ أولوياته في إعادة ترتيب نفسها بشكل لا يدركه هو منذ البداية،
يتأخر عن مواعيد عمله، يجلس في الاجتماعات سارحاً في الموسيقى يحرك أصابعه على بيانو
وهمي، كل ما يشغله هو مقابلة ذلك المعلم مرة أخرى وإجادة المقطوعات التي يتدرب عليها،
يبعد شيئاً فشيء عن حياته التي اعتاد عليها ولكن تبقى ظلال ذلك الظلام المسيطر على
حياته موجودة دائماً، ظاهرة في الصورة كالجرح الغائر الموجود على يده والذي أصيب به
في معركة من أجل والده، وكالأسود القاتم الذي يسيطر على نصف الشاشة - متحركاً يحاول
السيطرة على باقيها - بينما توم يشاهد عازف البيانو على شاشة تلفازه ويحاول تقليده.
تلك الظلال التي سرعان ما تصبح مصدر عذاب له، ويجد نفسه بين خيارين لا يقبل أحدهما
الآخر، حياته التي اعتاد عليها، والموسيقى بكل ما تعنيه له وبكل ما يصارع من أجلها
في نفسه وفي حياته وفي الزمن الذي أبعدها عنه.
(النبضة التي تخطاها قلبي)
هو خير مثال لفيلم يطرح ثنائية الأبيض والأسود، الخير والشر، بدون تكلف مزعج، بل من
خلال طرح فني عالٍ، بين سيناريو وإخراج مسترسل وسلس و واعٍ تماماً لتفاصيله وما يطرحه،
حركة الكاميرا وزواياها بل وحتى الألوان المستخدمة في كل مشهد تلعب دوراً مهماً في
ذلك، مع آداء تمثيلي مبهر من رومان دوريس.
في النهاية، جاك أوديار مخرج
طيب، أعلم أن في ذلك تناقضاً صارخاً مع القسوة التي يعرضها في أفلامه إلا أنه في الحقيقة
يقوم بتقديم الحياة بكل ما فيها من صعوبة وشر واحتمالات سيئة متطرفة ولكنه مع ذلك يمنح
أبطاله دائماً الرغبة في إنهاء كل ذلك، ويعطيهم الفرصة لينتصروا لأنفسهم ضد تلك الحياة
القاسية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق