كتب : ياسر ريحاوي
التقييم : 5/5
بطولة : نيكول
ستيفان ، إدواردو ديرميت
إخراج : جان
بيير ميلفيل (1950)
ربما أكثر الأفلام غرابةً واختلافاً في مسيرة المخرج الفرنسي جان بيير ميلفيل
هو هذا الفيلم, في تعاون مشترك مميز وغير معتاد بينه وبين جان كوكتو
الذي كتب الرواية التي اقتبس منها الفيلم بالإضافة لقيامه بإخراج أحد المشاهد
عندما كان ميلفيل مريضاً.
يتحدث الفيلم عن بول وشقيقته إليزابيث والعلاقة المعقدة بينهما وبين الشخصيات التي
يصادفانها, بول وإليزابيث يسكنان نفس الغرفة التي تشكل عزلة لهما عن العالم
الخارجي, عالمهما الخاص جداً وطريقة حياتهما تجعلان خلاص أحدهما من الآخر أمراً
مستحيلاً, وكما يقول كوكتو في أحد تعليقاته الصوتية الروائية أنهما أصبحا شخصاً
واحداً, هذه العلاقة المعقدة تصبح محور اهتمام الفيلم بما فيها الألعاب المجنونة
والطفولية والمنافسة الدائمة بين الأخوين الذين وعلى الرغم من كرههما الظاهري
لبعضهما إلا أن التعود والاعتماد والتعلق يبقى المسيطر بينهما دائماً, أغاثي وجيرالد هما
الشخصيتين الجانبيتين في الفيلم, يحاول من خلالها صناع الفيلم إظهار اختلاف بول وإليزابيث عن
بقية الناس بالإضافة إلى جعلهما أداة لتجريب مدى قوة العلاقة وطبيعتها بين الأخوة,
نيكول ستيفاني التي أدت دور إليزابيث حصلت على
ترشيح مستحق للبافتا, إليزابيث بطاقتها وحماسها وإندفاعها وخبثها وجمالها وطبيعتها
الهوسية تصلنا بأفضل صورة بفضل ستيفاني.
الجميل أن الفيلم غير قابل للتصنيف أو المساومة على إعطاء معلومات أو
نتائج سهلة أو منطقية, لماذا يبقى الأخ حبيس الفراش مريضاً على الرغم من أن كرة
ثلج أصابته لا أكثر ولا أقل؟ مثل هذه الأسئلة لا يصح سؤالها عند مشاهدة هكذا فيلم,
لأن رغبة كوكتو وميلفيل هي خلق الجديد والخروج عن المألوف, محاولة مقاربة عالم
الشباب والعلاقات العاطفية والأخوية بأسلوب جديد سينمائياً وفكرياً, شخصيات الفيلم
الغريبة وعالمه الخاص تجعلانه في خانة مختلفة تماماً عما قدمه كلا المخرجين, أسلوب
التصوير الواقعي أحياناً والسيريالي في أحيان أخرى يجعل التجربة أكثر صدقاً
وتنوعاً مع بقاءها في اقتراب من الشخصيات وعالمها, السرد الروائي بصوت كوكتو يضفي
الشاعرية التي يفضلها, الجو المسلي الذي يشابه ألعاب الأطفال في بداية الفيلم
يتحول إلى تراجيديا سوداوية حتمتها طبيعة العلاقة الغير صحية الهوسية, الشباب
وثورته على السائد والتقليدي في البداية تتحول إلى مصيرية سوداوية حتمية في نهاية
الأمر.
الأخوين غريبين كما تصرفاتهما, عالم الفيلم بأكمله غريب وخاص, التعاون
بحد ذاته بين كوكتو وميلفيل قد لا يبدو مبشراً عندما نسمع الاسمين معاً إلا أن
النتيجة كانت مبهرة بالنسبة لي, المزج بين الأنواع والأساليب قد ينتج نتائج غير
واضحة أو مشوشة أحياناً ولكن ليس الحال هنا كذلك فالتجربة قدمت شيئاً يستحق
التقدير والاهتمام, زوايا التصوير والإضاءة والديكور تخلق تجربة سيريالية مناسبة
تماماً لطبيعية القصة, شاعرية كوكتو وأسلوبه السيريالي الغريب هو المسيطر ربما إلا أن
الديناميكية والإيقاع وزوايا التصوير هي إضافة هامة قدمها ميلفيل لتصبح
النتيجة أقرب إلى فيلم ممتع من إخراج شاعر أو فيلم شاعري ممتع لا تنقصه لحظات
التوتر والإثارة التي تميز أفلام ميلفيل.
0 التعليقات :
إرسال تعليق