كتب : أحمد أبو السعود
التقييم : 4.5/5
بطولة : توم هاردي ، تشارليز ثيرون
إخراج : جورج ميلر (2015)
راكبي الدراجات ، قارعي الطبول ، عازف الجيتار ، الوُشُوم و الأقنعة ، الضياع ، الصحراء ، الجبال ، الجازولين ، نهاية العالم حيث الفوضى و غياب القانون ... و ماكس ؛ الغاضب أو المجنون .
تبدو شخصية ماكس دائماً خارج إطار الفعل ، تعرضت لأزمة و اختارت أن تخرج
من دائرة العام إلى الثأر الشخصي ، ثأرت و آثرت أن تبقى بعيدة عن الخراب ، في الظل
ربما ، دخلت في حالة لامبالاة بما يجرى حولها لكنها دائماً ما تتورط بشكل عنيف ،
ثم ما تلبث أن تعود إلى دائرة ظلها ، يقول جورج ميلر أنه طلب من مدير التصوير أن يضع دائماً ماكس في منتصف
كل كادر حتى لا يظل الجمهور يبحث عنه و ينشغل عما يدور حوله .
أذهلني مقدار الإخلاص الذى يحمله هذا الفيلم ؛ إخلاص تجاه السلسلة الأصلية بإيقاعها و مفرداتها و كابوسيتها و الطريقة المجنونة التي يتم بها رسم الصراع و دفع عجلته إلى حافة الهلاك دوماً ، إخلاص تجاه كل أنواع الجمهور : الجمهور الذى عاصر السلسلة منذ بداياتها ، الجمهور الذى تابعها في التسعينات و هم مراهقين يسعون وراء أفلام الفيديو ، الجمهور الذى تعرف عليها مؤخراً - و أنا من هؤلاء - فارتبط بالسلسلة سريعاً و أنتظر جديدها ، و الجمهور الذى لا يعرف شيئاً عن السلسلة ، هو يُرضى جميع التطلعات - هذه ليست قاعدة بالتأكيد - لكنه يقدم الإبهار البصرى الذى ينافس عصر التقنيات الحديثة ، و يُقدم الكابوسية التى تُطارد العالم من كل اتجاه ، إخلاص تجاه التطور البصرى و التقني الذى حدث بعد الثلاثية القديمة و إخلاص تجاه السينما كفن له خصوصيته و قدرته على تقديم جماليات بصرية لها القدرة على الاستمرار و خلق حالة من التواصل مع الجمهور .
يقول ميلر أن Storyboard الفيلم تم تنفيذها قبل كتابة السيناريو حتى ، لأنه وضع تصور للفيلم أنه عبارة عن مُطاردة طويلة مُستمرة بحوار قليل ، يُمكن إذن تخيل حجم الجنون الذى تم به تخيل الفيلم و صناعته ، الفيلم يعرف هدفه ، و يُحققه على أكمل وجه ، يدخل الفيلم سريعاً في المُطاردة ، و لا تتوقف ، الصراع يتم بناءه بكل سهولة ، تتضح الصورة سريعاً ، العالم يغرق في فوضى عارمة حيث لا ماء و لا زرع و لا أي أمل في حياة نظيفة ، الصورة تُخبرنا الكثير ، و المطاردات تُخبرنا أكثر ، المنعطفات الدرامية موجودة ، تفاعلات الشخصيات و تحولاتها النفسية موجودة ، درامياً يكتفى الفيلم بما هو كفيل بتوريط المُشاهد معه ، بإقحامه ضمن سباق مجنون يُشعره فيه بمدى خطورته ، فإما الهلاك أو النجاة ، خارج إطار الدراما يضخ الفيلم كمية ادرينالين غير طبيعية ، هنا تكمن عبقرية الفيلم ، لا يُقدم الفيلم إيقاعاً اعتدنا عليه و لا تكوينات صورة اعتدنا عليها و لا تصميم مشاهد أكشن اعتدنا عليها في أفلام الأكشن و الخيال العلمي ، يجب أولاً أن تخجل مارفل و أبطالها الخارقون من أنفسهم ، هنا الموضوع يأخذ جوانب جمالية غير عادية ، يقول ميلر أنه سار على اتجاهين في رسم صورة الفيلم ؛ أولاً يجب أن تكون الصورة مُلونة قدر الإمكان كي يبتعد عن الشكل المتعارف عليه لأفلام ما بعد نهاية العالم ، و ثانياً يجب أن يكون الإخراج الفني للفيلم جميلاً قدر الإمكان لأن الناس فى تلك الظروف الكابوسية ستبحث قدر إمكانها عن أي ذرة جمال موجودة في ذلك العالم المُظلم ، خصوصية الصورة التي يقدمها ميلر نابعة من طبيعة العالم الذى يرسمه ، ألوان الفيلم حتى تتأرجح بين الأصفر الفاقع - لون صحراء قاحلة تحت لهيب أشعة الشمس - و بين الأزرق المُظلم - ما تبقى من العالم القديم - ، الجبال هنا تشارك في المُطاردة ، تُشارك فى رسم العالم و إظهار توحشه و عملقته على الرغم من حالة الضياع و الفوضى المُستشرية فيه .
كل شىء هنا - تقريباً - حقيقي : استخدام قليل لخدع الـ CGI و كان استخدامها فقط لتعزيز الإحساس بالصورة ، و قطع يد شارليز ثيرون اليسرى ، عدا ذلك فالمؤثرات حية و طبيعية ، تم تصميم تكوينها الحركي بعناية فائقة لتخرج حقيقية قدر الإمكان ، تتابع تفاصيل كل مُطاردة هو أمر مذهل ، كأنك تقدم مشاهد استعراضية متتابعة تُحافظ فيها على "تناغم" حركة راقصيك و تفاصيل كادراتك البصرية ، هل تعرف إن الجيتار الذى يخرج منه اللهب أثناء العزف هو جيتار حقيقي و كان يخرج منه لهب حقيقي أثناء التصوير ؟ ، هذه تفصيلة تختزل لك طبيعة مشاهد الحركة فى الفيلم ، و تتابع تلك المشاهد وراء بعضها بهذا الشكل البديع لم يكن ليخرج بهذه العظمة لولا مونتاج خرافي من مارجريت سيكسيل - زوجة ميلر - ، مونتاج يُحافظ داخل كل لقطة على التناغم بين أطنان تفاصيلها البصرية و الحركية و يربط اللقطات ببعضها بلجام قوى مشدود يُحافظ بدوره على الصورة النهائية التي تخيلها ميلر .
ربما كان جديراً بي في النهاية ألا أكتب عن الفيلم ، هو في النهاية تجربة يجب أن تُعاش ، لكنها تجربة تستحق كل كلمة مديح ، و كل لحظة انتظار ، و ما تم كتابته في هذا المقال أغلبه قادم مما حدث أثناء صناعة الفيلم نفسه ، التجربة بأكملها منذ أن كانت نية عام 2003 ، و ربما منذ أن بدأت السلسلة في أواخر السبعينات هي تجربة عظيمة و مُلهمة و مؤثرة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق