كتب : ياسر ريحاوي
التقييم
: 4.5/5
بطولة
: كاثي أودونيل ، فيرلي غرانغر
إخراج
: نيكولاس راي (1948)
إذا كان كل شيء
موجوداً في السيناريو , فلماذا نقوم بصناعة فيلم ؟ - نيكولاس راي
بداية نيكولاس راي في هوليوود كانت مع هذه التحفة المنسية المظلومة , فيلم نوار وجريمة من
أرق ما قدم في تاريخ هذا النوع السينمائي , المخرج الذي يلقب بأكثر مخرجي هوليوود
عاطفيةً والأمريكي المفضل لدى أصحاب نظرية سينما المؤلف يستغل فرصته الأولى بأفضل
طريقة ممكنة ليصبح الفيلم – في نظري – من أهم الأفلام الأولى لمخرج على الإطلاق .
الموضوع العام وهو عزلة جيل الشباب في وسط
عالم لا يفهمه سيعود راي لتقديمه مرة أخرى في أشهر أفلامه Rebel without a Cause
وفي حين ينحو الأخير تجاه النقد الاجتماعي والميلودراما التمثيلية التي
سيطر عليها جيمس دين و ناتالي وود يبدو فيلمه الأول أكثر اهتماماً بتقديم قصيدة
عاطفية شعرية بصرية فيستغرق في مشاهد عناق الحبيبين وتقبيلهما ويصورها بمنتهى
الرقة و العذوبة والبراءة التي تعكسها العيون في مقابل وحشية العالم حولهما وعبر
جميع الشخصيات التي يلتقيان بها , حميمية كبيرة تحملها لقطات الكلوز آب التجربية
وزواياها الغريبة والتي ضاع جزء من حداثيتها وصدمتها بعد كل تلك الأعوام مع بقاء
نقاءها وجماليتها العاطفية وهي تتبع وجوه الحبيبين ومناجاتهما المستمرة , يقدم ذلك
بأسلوب مبالغ استعراضي , عاطفي , انفعالي ليجعل من قصة تقليدية حلماً جميلاً يصعب
وجود مثيله في تاريخ سينما الجريمة المقيدة بطبعها بأطر تفضل الحبكة والإثارة
دوماً على الأسلوب والعاطفة , إحساس الغموض الذي ينهجه في تصويره التعبيري يفسح
المجال دوماً للتخيل وإعطاء المشاهد مساحة شخصية ليصبح جزءاً فعلياً من القصة مع
نقاء وبراءة تعكسها الإضاءة البراقة في بعض الأحيان ولا تبتعد كثيراً عن نقاء صورة
من تبعه من مخرجين روحانيين تأثر بعضهم براي على الأقل تقنياً وأسلوبياً , الثائر العاطفي الأمريكي
يجد في حب الشخصيتين المثالي وثورتهما على السائد مرآة ذاتية تعكس ما دافع عنه
دوماً والذين سيصطدمان بواقع لا يعرف الرحمة تطرف في تقديم عنفه بالنسبة لفيلم في
الأربعينات بخلفية إخراجية سيطرت عليها الظلال الشهيرة بأفلام النوار والتي تعكس
دوماً عالم بارانويا و يأس و نهاية سوداوية لكل ما هو نقي , المصيرية المأساوية
الحتمية لأفلام النوار من أهم خصائص هذا النمط السينمائي فإحساس اليأس وانعدام
الأمل يبدأ مع بداية تلك الأفلام وينتهي بها دوماً وهي في الغالب انعكاس لأجواء
اجتماعية وسياسية سيطرت على أمريكا في تلك الفترة الزمنية , تلك العلاقة النقية في
زمن الظلام تكتسب بعداً أكثر أناقة وشاعرية مع راي لتنتهي بطريقة
تمزق القلب في حين أنها كانت لتتحول لمجرد رقم آخر في أفلام B
منخفضة الميزانية لو كانت تحت إدارة مخرج آخر , الفيلم أيضاً كان ملهماً للعديد من
الأفلام المشابهة مثل Bonnie
and Clyde و Pierrot
le fouو Thieves Like Usلمخرجين ورثوا عن راي كسر القواعد
والبحث عن الصوت الشخصي لكل منهم في أحد أكثر الأنواع السينمائية تقليديةً
وتكراراً وتجاريةً .
وفي حين تمرد كل مخرج على القواعد بطريقته
الخاصة يبقى تمرد راي الأكثر عاطفياً وانفعالاً ليعبر عما يريده بالأسلوب دوماً ,
لقطات غريبة , مشاهد عاطفية في أمكنة غير متوقعة , حوارات متهكمة مليئة بالردود
السريعة والمنمقة وإيقاع يتصاعد وينخفض باستمرار , تمثيل استعراضي , صراع دائم بين
القديم والحديث , بين الموروث والخارج عنه , وبين سينما تقليدية وأخرى تجديدية ,
خواص تمتزج ببعضها في كل واحد لا يمكن تجزئته و تحليله وهو ما جعل من أفلامه عصية
على التصنيف أو الانتماء لنوعية سينمائية محددة إلى الحد الذي جعل غودار يقول
عنه مقولته الشهيرة : "نيكولاس راي هو السينما" , سينما أتثبت أن الأسلوب المميز
لأي حكاية يمنحها المضمون الأعمق والأكثر تجديداً ويعطي راويها خصوصيته الفنية وذاتيته
التي يرينا الحياة عبرها لتتحول معها السينما من مقولة اجتماعية أو فلسفية إلى فن
له خصوصيته الذاتية الكاملة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق