كتب : أحمد أبو السعود
التقييم : 4/5
بطولة : كولن فيرث ، جوليان مور
إخراج : توم فورد (2009)
أول ما
سيُلفت النظر في التجربة الروائية الأولى لمصمم الأزياء الشهير توم فورد هو تلاعبه
الواضح في الألوان ما بين إعطاء الصورة لوناً قاتماً و بين إضفاء إشراقة واضحة عليها
، و أحياناً كثيرة تتغير درجة الألوان في اللقطة الواحدة ما بين القتامة و بين الإشراق
في درجات الألوان .
في بداية
الفيلم هناك انتقالة يصنعها توم فورد بين أحلام و كوابيس جورج و بين واقعه ، هناك
ارتباط واضح بين الاثنين ؛ امتداد تأثير الماضي على الحاضر ، في الحُلم يُقبّل جورج رفيقه
جيم على شفتيه و هو مُلقى على الطريق ميت في حادث السيارة الأليم الذى أودى به ، عندما
يستيقظ جورج يلمس
شفتيه و بطريقة غير مقصودة ينطبع عليها بقعة حبر غامقة ، هذا المشهد هو تجسيد بسيط
أو ترجمة لدور التلاعب اللوني الذى يفعله توم فورد طوال
أحداث الفيلم .
هناك
ترمومتر يحكم توم فورد في طريقة
تلاعبه بالألوان ، جورج من الخارج
شخصية صامتة هادئة لا تنفعل كثيراً ، تائه في عزلة رغم البيت الزجاجي الذى يعيش فيه
، من الداخل يمر جورج بتحولات
نفسية كثيرة ، يموت شريكه في حادث مفاجئ و يتلقى الخبر في سماعة التليفون و لا يملك
حتى فرصة توديعه ، ينقل لنا الفيلم حياة جورج في يوم
واحد ، يتعرض خلال ذلك اليوم لاستثارات كثيرة ؛ نفسية و حسية و جنسية ، خارجياً لا
يبدو على جورج أي استجابة
لتلك الاستثارات و لكنه داخلياً يفور و يحترق ، تلك الاستثارات هي الترمومتر الذى يتحكم
في طريقة التلاعب في الألوان ، كزيادة درجة اللون عندما تبتسم مساعدة جورج ، أو
عندما يقابل الفتاة الصغيرة في البنك ، أو عندما يقابل شاباً أسبانياً أمام السوبر
ماركت ، أو عند التقاطه وردة حمراء ، هناك في كل مرة استثارة نفسية أو جمالية أو جنسية
يستجيب لها جورج داخلياً و يترجمها لنا توم فورد بتلاعب
جميل في درجات الألوان .
تتشكل
طبيعة ذلك اليوم بتفاوت درجات الاستثارة التي يتعرض لها جورج ، العزلة
التي يحبس نفسه فيها يحاول السيناريو أن يكسرها طوال الأحداث سواء بتفكيره في الانتحار
أو بزيارة صديقة قديمة له أو بتجربة مجنونة طائشة مع طالب لديه ، الجميل و القاسي في
الموضوع أن كل المحاولات لا تُبدد عزلة جورج و وحشته
؛ الصديقة القديمة تبحث فيه عن حب ضائع و فرصة جديدة لاستعادة ما كانت تفتقده طوال
حياتها ، التلميذ يرى في بيت جورج الزجاجي كل ما يطمح إليه شاب في مثل سنه ،
محاولات الانتحار تتعرض للتردد و الانقطاع كثيراً ، و بين كل هذا تتدفق بين حين و آخر
مشاهد فلاش باك توضح طبيعة القفص الذى يحبس جورج نفسه
فيه ، لتبدو الحقيقة أمام جورج فى النهاية
أن هناك فارق بين محاولة نسيان الماضي و محاولة تجاوزه .
كولين فيرث يبدو
اختياراً مثالياً لدور جورج ، وجه
بريطاني هادئ بشوش من الخارج ، فلا فكاك هنا إذن من تعاظم دور النظرات لتجسيد شخصية
مثل جورج ، نظرات
كولين فيرث تبدو تماماً كتلاعب توم فورد في الألوان ، تنتقل نظراته من شعور إلى آخر
، استجابته لكل الاستثارات التي تحدث لجورج على
مدار اليوم تتعاظم تأثيرها في نظرات كولين فيرث ، أداء
جميل استحق عنه جائزة التمثيل في مهرجان فينيسيا .
توم فورد في تجربته
الروائية الأولى ينجح في استغلال خلفيته الكبيرة كمُصمم أزياء مميز ، يُصمم إيقاع و
شكل فيلمه كما يُصمم عرض أزياء ساحر و مختلف ، ليخرج في النهاية بفيلم أنيق في صورته
و أنيق في نقل انفعالات شخصية تعيش في وحدة و ألم .
0 التعليقات :
إرسال تعليق