الأربعاء، 25 مارس 2015

A Single Man

كتب : أحمد أبو السعود

التقييم : 4/5

بطولة : كولن فيرث ، جوليان مور
إخراج : توم فورد (2009)

أول ما سيُلفت النظر في التجربة الروائية الأولى لمصمم الأزياء الشهير توم فورد هو تلاعبه الواضح في الألوان ما بين إعطاء الصورة لوناً قاتماً و بين إضفاء إشراقة واضحة عليها ، و أحياناً كثيرة تتغير درجة الألوان في اللقطة الواحدة ما بين القتامة و بين الإشراق في درجات الألوان .

في بداية الفيلم هناك انتقالة يصنعها توم فورد بين أحلام و كوابيس جورج و بين واقعه ، هناك ارتباط واضح بين الاثنين ؛ امتداد تأثير الماضي على الحاضر ، في الحُلم يُقبّل جورج رفيقه جيم على شفتيه و هو مُلقى على الطريق ميت في حادث السيارة الأليم الذى أودى به ، عندما يستيقظ جورج يلمس شفتيه و بطريقة غير مقصودة ينطبع عليها بقعة حبر غامقة ، هذا المشهد هو تجسيد بسيط أو ترجمة لدور التلاعب اللوني الذى يفعله توم فورد طوال أحداث الفيلم .

هناك ترمومتر يحكم توم فورد في طريقة تلاعبه بالألوان ، جورج من الخارج شخصية صامتة هادئة لا تنفعل كثيراً ، تائه في عزلة رغم البيت الزجاجي الذى يعيش فيه ، من الداخل يمر جورج بتحولات نفسية كثيرة ، يموت شريكه في حادث مفاجئ و يتلقى الخبر في سماعة التليفون و لا يملك حتى فرصة توديعه ، ينقل لنا الفيلم حياة جورج في يوم واحد ، يتعرض خلال ذلك اليوم لاستثارات كثيرة ؛ نفسية و حسية و جنسية ، خارجياً لا يبدو على جورج أي استجابة لتلك الاستثارات و لكنه داخلياً يفور و يحترق ، تلك الاستثارات هي الترمومتر الذى يتحكم في طريقة التلاعب في الألوان ، كزيادة درجة اللون عندما تبتسم مساعدة جورج ، أو عندما يقابل الفتاة الصغيرة في البنك ، أو عندما يقابل شاباً أسبانياً أمام السوبر ماركت ، أو عند التقاطه وردة حمراء ، هناك في كل مرة استثارة نفسية أو جمالية أو جنسية يستجيب لها جورج داخلياً و يترجمها لنا توم فورد بتلاعب جميل في درجات الألوان .

تتشكل طبيعة ذلك اليوم بتفاوت درجات الاستثارة التي يتعرض لها جورج ، العزلة التي يحبس نفسه فيها يحاول السيناريو أن يكسرها طوال الأحداث سواء بتفكيره في الانتحار أو بزيارة صديقة قديمة له أو بتجربة مجنونة طائشة مع طالب لديه ، الجميل و القاسي في الموضوع أن كل المحاولات لا تُبدد عزلة جورج و وحشته ؛ الصديقة القديمة تبحث فيه عن حب ضائع و فرصة جديدة لاستعادة ما كانت تفتقده طوال حياتها ، التلميذ يرى في بيت جورج الزجاجي كل ما يطمح إليه شاب في مثل سنه ، محاولات الانتحار تتعرض للتردد و الانقطاع كثيراً ، و بين كل هذا تتدفق بين حين و آخر مشاهد فلاش باك توضح طبيعة القفص الذى يحبس جورج نفسه فيه ، لتبدو الحقيقة أمام جورج فى النهاية أن هناك فارق بين محاولة نسيان الماضي و محاولة تجاوزه .

كولين فيرث يبدو اختياراً مثالياً لدور جورج ، وجه بريطاني هادئ بشوش من الخارج ، فلا فكاك هنا إذن من تعاظم دور النظرات لتجسيد شخصية مثل جورج ، نظرات كولين فيرث تبدو تماماً كتلاعب توم فورد في الألوان ، تنتقل نظراته من شعور إلى آخر ، استجابته لكل الاستثارات التي تحدث لجورج على مدار اليوم تتعاظم تأثيرها في نظرات كولين فيرث ، أداء جميل استحق عنه جائزة التمثيل في مهرجان فينيسيا .

توم فورد في تجربته الروائية الأولى ينجح في استغلال خلفيته الكبيرة كمُصمم أزياء مميز ، يُصمم إيقاع و شكل فيلمه كما يُصمم عرض أزياء ساحر و مختلف ، ليخرج في النهاية بفيلم أنيق في صورته و أنيق في نقل انفعالات شخصية تعيش في وحدة و ألم .


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter