كتب : محمد السجيني
التقييم : 5/5
بطولة : بن آفلك ، روزاموند بايك
إخراج : ديفيد فينشر (2014)
خلال أكثر من مائة عام في تاريخ السينما ، لم أستمتع بالتشويق
والاثارة ولحظات الترقُّب في سينما مُخرج مثلما فعلت مع المُعلِّم الفريد هيتشكوك
، ومنذ رحيل الرجُل الي الآن لم يظهر تلميذ له أنجب من ديفيد فينشر ، الفيلم العاشر في مسيرة ديفيد فينشر
يحكي حكاية زوجين ، نيك دان (بين افليك) وايمي ايليوت (روزاموند بايك) ، يروي نيك في البداية عن اختفاء زوجته ، يبلغ الشرطة وتحضر بقيادة روندا بوني (كيم ديكينز)
للتحقيق ، بعدها ينتقل صوت الراوي الى ايمي ونستمع اليها تكتب مذكّراتها وتستعيد الأحداث التي تسبق
الاختفاء ، نعرف ان زوجها كاتب تعرفت عليه في نيويورك ، وانها شخصيّة مشهورة الهمت
والديها لصناعة شخصيّة ايمي المُذهلة ، هي كاتبة أيضاً لكنها وزوجها فقدا عملهما ،
ينتقل الزوجان الى ميزوري بعد مرض والدة نيك ، تموت الأم ويستقر الزوجان ، ويشارك نيك زوجته في
ادارة حانة .
في النصف الثاني يدخُل الفيلم في عقدة جاذبة وصادمَة للجمهور ، تبدأ
الشكوك في الدوران حول الزوج نفسه ، لماذا لا يكون هو المسئول ؟ وقع عقداً مع احدي
شركات التأمين علي حياته هو وزوجته بمليون دولار في حالة وفاة احدهما ، لتستمر
رحلة البحث في أجواء من الترقُّب والاثارة
.
قبل الحديث عن أي شيء ، هذا فيلم عظيم ، بمقاييس ديفيد فينشر
نفسه ، بهدوئه الرومانسي ، وايقاعه المضبوط جداً ، وحبكته الصادمة ، ولحظات
التوتّر ، والعنف الدموي ، والتصوير الخاطف للأنفاس ، وكالعادة يُقدّم ديفيد فينشر
محتوي يظهر من تحت السطح ، هذا ليس فيلم غموض واثارة فحسب ، وليس تحيّة الي السيّد
هيتشكوك فقط ، وانما يضرب في
عُمق النظام الأمريكي ، يوضّح تأثُّر السلطات التنفيذيّة بالرأي العام و بالإعلام .
اخراجيّاً هذا واحد من أعظم اداءات فينشر الاخراجيّة على
الاطلاق ، الرجُل كالعادة يهوى تعذيب أبطاله ، (نيك) هُنا تحت ضغط
رهيب ، بالأساس هو متواكل علي زوجته ، والآن بعد اختفاء زوجته يقع تحت ضغط الاعلام
والرأي العام الأمريكي ، ثم اتّهامه بالتورّط في اختفاء الزوجة ، علي الجانب الآخر
هُناك (ايمي) الساعية للانتقام من الزوج الخائن ، كلا الشخصيتين خائف وكلاهما
لديه دوافع مُختلفة ، لكن فينشر لا يورّط المُشاهد في اشكاليّة التعاطُف مع شخصيّة دون الأخرى
، العظيم أيضاً هو طريقة سرد الحكاية نفسها ، أنا أعشق ديفيد فينشر ، وجُزء
من عشقي للرجُل ليس نوعية الحكايات التي يسردها ، بقدر ما هي طريقة السرد نفسها ،
فينشر هُنا "هيتشكوكي" جداً ، يُقدّم لغزاً بطيئاً يقود الي قضيّة أخرى
ولُغز آخر ، بطلة الفيلم شقراء ، ينظر نظرة دونيّة الي جنس البشر ولا يتعاطف مع أي
من الشخصيّات ، يقسم فيلمه الي جزئين مثل Psycho ، الجُزء الأوّل مُتعلّق
بقضية اختفاء الزوجة ، والنصف الثاني تظهر الزوجة وتحكي عن طريقتها في الايقاع
بزوجها ، ويصنع عالماً كابوسياً جداً ، شخصيّة فينشريّة تقع في أزمة وتحاول ان
تُصلح الأمور ، لكنها لا تفلت من العقاب ، ومحاولة فك الالتباس هُنا هي هذا العالم
، ويضعنا فينشر في قلب الحالة ويحيطها بالسواد المُعتاد ، يستغل كل ادواته
الاخراجيّة ليُقدّم مجموعة من المشاعر المُتناقضَة والهواجس والكوابيس داخل
المُجتمع الأمريكي ، ويثبت مُجدداً انه واحد ضمن أفضل أبناء جيله .
على مستوى الآداءات ، روزاموند بايك تُقدّم اداءاً عظيماً لشخصيّة الزوجة المُضطربة
نفسياً ، لحظات النشوة والانتصار والشر المُطلق تجسّدت في عينيها في أفضل صورة
مُمكنة ، بين افليك يبدو اختياراً جيداً لغموضه واثارته للشك دوماً ، لكن كان بالإمكان
أفضل ممّا كان ، المونتاج والتصوير كعادة
أفلام ديفيد فينشر في أفضل الحالات المُمكنة ، تصوير جيف كورننويث
- كالعادة ضمن مدرسة النوار الجديد - يخطف الأنفاس بشدّة ، ويساعده على ذلك مونتاج
الاوسكاري كيرك باكستر الذي منح الفيلم حيويّة شديدة تحافظ علي الايقاع
وتركيز المُتفرّج حتي مع اعادة المُشاهدة
.
اجمالاً تجربة فينشر هذه من أجمل تجارب 2014 السينمائيّة ، لَم تستقبل بحفاوة
مُناسبة تليق بفيلم سيصبح كلاسيكيّة مع مرور الوقت
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق