كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : ستيلان سكارسغارد ، إيميلي واتسن
إخراج : لارس فون تريير (1996)
"إن أردت أن تستفز
فعليك أن تستفز الأقوى منك ، وإلا فأنت تسيء استخدام قوتك" – ترايير
ترايير يؤمن بأن الفيلم يجب
أن يكون كصخرة داخل الحذاء ، أعتقد أنه قد نجح – إلى حد كبير – في جعل أفلامه ضد
النسيان أو التجاهل أياً كان موقفك تجاهه ، (كسر الأمواج) قد
يكون الصخرة الأجمل عند الدانماركي المستفز.
بيث ماكنيل فتاة
تمتلك الكثير من السذاجة .. من الطيبة .. من روحانية المحبين ، ترايير يمنحنا
الفرصة لمشاهدة براءة بيث وخوضها التجارب الجديدة ، الإنفعالية المزاجية لديها
والمشاعر التي على السطح دائماً ، الفتاة ليست سطحية ، فإن كانت الإنفعالات ظاهرية
لكن شعورها العميق بالحب لا يمكن تجاهله ، قبل زواجها من يان كانت لا تزال
عذراء ، فكان اكتشاف الجنس بالنسبة لها مرتبط باكتشاف الحب ، مما جعل الرابط الجسدي
والروحاني تجاه زوجها غير قابل للكسر ، حتى بعد أن تعرض زوجها لإصابة جعلت جسده
بلا فائدة ، عادت بيث إلى الحب الذي عرفته قبل أن تعرف الجنس .
أثناء حفل زفاف بيث نرى جدها
يتبارى مع أحد الشباب – صديق الزوج يان – لإظهار مدى العنفوان والقوة ، في مقابل
ضغط الشاب على قنينة الصودا الصفيح قام الجد بالضغط على كوب البيرة الزجاجي حتى
حطمه ، مما تسبب في جرح يده ، بجانب الروح المرحة للمشهد وعرضه الساخر للطبيعة
التنافسية لدى الرجال ، لكنه أيضاً يرمز لعند المجتمع وتزمته الذي لا يملك الذكاء
الكافي لتجنب العنف .
بيث تلعب الدورين ، دور
المخلوق والخالق ، فهي تناجي الرب بصوتها ، ثم ترد على نفسها بصوت رخيم تعتقد أنه
صوت الرب ، الرب عند بيث ليس صامتاً ، وإنما هو تعويض لنقص الثقة والدراية ، كما
أنه إنعكاس لنفسها الطيبة.
على أي حال بيث ابتكرت
نسختها الخاصة لرب أقل تجهماً وصلفاً من نسخة مجتمعها ، مجتمعها المتدين الكالفيني
يحمل دائماً عقدة ذنب دائمة ، يدين أي شكل من أشكال المتعة ويدين الحياة نفسها ، بيث
تحب الحياة لذا كانت الشاذة وسطهم ، الخروف الضال وسط القطيع .
أثناء نوم الزوج تلجأ
بيث إلى نفس الحيلة النفسية وتقوم بتقليد صوت زوجها وكأنه
يحادثها ، بيث لا تطيق صمت الأرض أو السماء ، لذا تخلق لنفسها سبيلاً
للوقاية من الوحدة عن طريق حوار وتواصل دائم حتى وإن كان غير حقيقي ، بالنسبة لنا
على الأقل ، بيث دعت الرب حتى يعود زوجها من عمله في البحر ، تقع حادثة
للزوج ويُصاب بالشلل ، تعتقد بيث أن تلك طريقة الرب لمعاقبتها باستجابته لدعواها .
الفيلم لم يقتصر على
تجسيد الإله كإنعكاس لفرد بيث ، كإله طيب مثلها ، لكنه كان كذلك إنعكاس لإله عارف بواطن
الأمور ومصلحة الأخرين كشخص يان الذي طلب من زوجته ممارسة الجنس مع رجال آخرين طالما هو
عاجز جسدياً ، إله قاسي كذلك كإنعكاس لأفراد قرية ظالم أهلها ، قاموا بلعن بيث وحرمان
المرأة من الكلام داخل بيت الرب ، قدم ترايير الإله بصورة عادلة كإنعكاس لطبيعة قلب من يحمله ومن لا
يحمله ، الفيلم قد يكون ضد الدين كمؤسسة ، لكن الفيلم – بنزعته الطيبة – يحتفي
بالرب ، بينما المجتمع يحتفي بالدين ولكن المجتمع – بقلة رحمته – ضد الرب .
تقول بيث للطبيب
المعالج لزوجها : "كل شخص لديه شيء هو جيد به ، لطالما كنتُ غبية ، لكني جيدة في ذلك"
، يسألها عن موهبتها التي خصصها الإله لها ، فتجيبه بأن موهبتها أنها تستطيع أن
تؤمن ! ، قبل النهاية تحاول بيث استنطاق الرب ، فلا يجيب ، لكنه سيقرع لها أجراس السماء
بعد مغادرتها الأرض في نهاية خيالية ، بعد أن أدانها رجال الدين واصدروا حكمهم
بأنها نزيل أبدي في الجحيم .
العديد من النقاد
أشاروا إلى إنعدام السبب الذي جعل يان يطلب من زوجته أن تمارس الجنس مع الرجال ، ورجحوا أن
التفسير الوحيد هو المرض والعقاقير ، أعتقد أن يان قد استنتج من
حديث صديقة بيث – وزوجة أخيها الراحل – بإشارتها إلى حالته الميؤوس منها ورغبتها
في أن تستكمل بيث حياتها ، موضحة أن بيث ستقوم بأي شيء من أجل أن ترى زوجها يبتسم ، من هنا ربما كانت
فكرة يان بأن يحرر بيث من قيود الزواج وحبها له ، فطلب منها هذا الطلب الغريب
بداعي إثبات حبها له ، وأن تلك الطريقة الوحيدة حتى يتم شفائه ، لذا قبلت بيث لرغبتها الشديدة
في شفاء زوجها ، لكنها سرعان ما أصبحت ضحية لقسوة وعدم تفهُّم المجتمع والأهل
والكنيسة والزوج خلال حياتها وحتى بعد موتها ، أصبحت قديسة تقرع لها أجراس السماء
وإن كانت أجراس الأرض الكنيسة لا وجود لها ، تصبح بيث مُخلِّصة ومسيح
تفتدي زوجها ، مجدلية معكوسة خلاصها الوحيد في التضحية .
لجأ ترايير إلى
تأصيل الطابع الوثائقي لفيلمه بالكاميرا المحمولة ونظر الشخصيات إلى الكاميرا
مباشرة ، موحياً بأننا نرى فيلماً خام لم يهذّب ، فيلماً منزلي الصنع ربما ،
الفيلم من تصوير روبي ميللر الرجل الذي ساهم بشكل واضح في إنجازات ضخمة مع جارموش و فيندرز ،
وكانت لديه قدرة خارقة على التكيف مع أساليب المخرجين المختلفة ، اختار ترايير
الألوان الهادئة حتى يمنح الدفء إلى فيلمه المنزلي ، كما قسّم الفيلم إلى فصول
تبدأ بموسيقى روك من سبعينات القرن الماضي ، الفترة التي يفترض أن يدور خلالها
الفيلم ، الفيلم كان بداية ما يُعرف بثلاثية (القلوب الذهبية) مع
فيلمي The Idiots و Dance
in the Dark .
إميلي واتسون في دور
بيث ماكنيل انجزت أداء خارق من وجهة نظري ، ومن البديهي أن تجد كم
كبير من المديح الخاص لها متى ذُكر الفيلم ، وعلى تلك السطور ألا تكون استثناء ،
كان الاختيار الأول لهذا الدور من نصيب الجميلة المخيفة هيلينا بونهام كارتر لكنها
لسبب ما تراجعت ويشاع أنها ندمت – ولديها كل الحق – فيما بعد .
ترايير هو "رجل دراير"
كما أطلق على نفسه خلال إحدى المقابلات ، سعى ترايير أن يستوحي
تحفة مواطنه العظيم The Passion of Joan of Arc ، طالباً من ممثلته واتسون النظر
كما كانت تنظر فالكونتي في فيلم دراير ، حتى يستنسخ ترايير قديسة دراير ، النهاية
الخيالية مشتركة كذلك بين فيلم ترايير و فيلم دراير العظيم Ordet ، هجوم ترايير على
التنظيم الديني كان سبقه كذلك هجوم دراير – الأقل ضجيجاً بالطبع – على التنظيم الديني المتمثل في
كنيسة المسيح التي خانته بحد زعم يوهانس ، أعتقد أن موسيقى الروك اخلّت قليلاً بالمزاج العام
للفيلم ، بالإضافة إلى خاتمة طويلة كان من الممكن اختصارها ، الأثنان منعا الفيلم
من أن يصبح (آلام جان دارك) جديد .
ترايير هو فنان مُعذَّب
مُعذِّب ، يحمل صراعاً داخلي ما بين دي ساد و دراير ، أعتقد أن دراير يكسب المعركة في النهاية – على الأقل – في فيلم (كسر الأمواج) ،
كما أعتقد أن ترايير يُحب أن يكسب دراير ، شخصياً أؤمن بالدافع الإنساني لدى ترايير – كما
آمنت به عند بازوليني - عند النظر بزاوية مناسبة إلى النتائج والتأثير ..
وليس الشكل ، أو بكلمات أخرى عند النظر إلى الأثر الذي تُحدِثه الصدمة وليس إلى الصدمة
نفسها .
"فلسفتي في الأفلام
الأخرى : (الشر موجود) ، بينما فلسفتي في هذا الفيلم : (الطيبة موجودة)"
- ترايير
0 التعليقات :
إرسال تعليق