كتب : محمد السجيني
التقييم : 3/5
بطولة : عمر الشريف ، خالد النبوي ،
سيرين عبدالنور
إخراج : أحمد ماهر (2009)
بدأت فكرة الفيلم لدي مُخرجه أحمد ماهر ، حوّلها الي سيناريو ولم ينجح في الوصُول الي مُنتج
لتحويل السيناريو الى عمل سينمائي ، عرض الفيلم علي أحمد زكي و محمود عبد العزيز
و محمود حميدة ، لكن فشل أيضاً ، واستطاع خالد النبوي
أن يُقدّم السيناريو الي الناقد سمير فريد ليُقدّمه الي وزارة الثقافة في مشروعها للارتقاء
بالسينما المصريّة ووصولها الي العالميّة ، خرج الفيلم الي النور بإجازة من علي أبو شادي
على أن يقوم المُخرج برصد الميزانيّة ، استغرق التصوير فترة طويلة وتعرّض للتوقف
وتكلّف ميزانيّة فوق المُفترضة - 3 ملايين دولار
- تم التصوير بمرحلة عُمر الشريف أولاً وتابع خالد النبوي التصوير
ليكون مُستوعباً لكن أداء النبوي جاء سيئاً ومشوّهاً كما سأذكر فيما بعد.
السيناريو مقسوم الي ثلاثة أجزاء ، الأوّل في بورسعيد في خريف
1948 أي بعد انتهاء حرب فلسطين ، الثاني في الاسكندرية في خريف
1973 أي بعد حرب اكتوبر ، الثالث في القاهرة في خريف 2001
بعد احداث سبتمبر الشهيرة ، وعلي الرغم من ذلك التقسيم فهذا لا
يبدو مُهماً للمُشاهد في أي شيء ، حتي بعد مشاهدات أخرى ، أحداث الفيلم وشخصيّاته
لا ترتبط لا بمكان الأحداث ولا حتي بالتقسيم الزمني السابق ذكره ، مما يمنح الفيلم
نوعاً من الحذلقة والادعاء .
الفيلم في الجُزء الأوّل يحكي قصّة رجل يُدعي حسن يعمل في
مصلحة البريد ، يستلم مُهمة بإيصال تليغراف لامرأة تُدعي نورا من خطيبها فؤاد - عمرو واكد - لكي يتزوّجها ، لكن حسن يقوم بتمثيل دور فؤاد ويغتصبها في مشهد عجيب وصادم جداً ، يصل خطيبها الحقيقي
وتتم الزفّة بملابس فؤاد الداخليّة بعد أن اصر حسن على انتزاع
البدلة التي استأجرها قبل فؤاد ، في الجُزء الثاني الذي
تدور احداثه في الاسكندرية ، نعرف أن نورا - التي توفيت - أنجبت صبياً يُدعي علي ومات
غرقاً في شبابه لكن اخته نادية تقابل حسن وتخبره انه شبيه بأخيها ، وهو يعتقد أن نادية ابنته ،
وبالضرورة علي أيضاً ، يقابل جابر صديق علي ، و يزوّجه نادية ، مع ان جابر يبدو كالأبله تماماً ، لكن حسن لا يُمانع و يحوّل العزاء
الي زفّة ، تصرف لا منطقي يُزيد الفيلم إدعاءاً و غموضاً و تحريكاً لشخصيّاته في
الفراغ ، في الجُزء الثالث يلتقي حسن مع حفيده ، وندخل في متاهات تدعو للضحك حول
طبيبة تأمل للحصول علي ماجستير بإجراء عملية تجميل في أنف الحفيد ، يدخل الحفيد
المُستشفي و يخرجه جدّه بملابس المريض ، يذهبا للبيت ثم يتركه الحفيد وحده حتّى
يواجه نفسه بالوقوف امام القطار ، المُفترض ان الفيلم ينتهي هُنا ، لكن ماهر يتمادى
في الإدعاء والحذلقة بإضافة مشهد لا معني له بوجود حسن مُبتلاً بجواره
امرأة تُرضع ابنها ويتطلع اليها حسن في دهشة .
نتيجة الفيلم النهائية تائهة ومُحبطة الي حد كبير ، لا أعلم ان كان
الفيلم يدور حول شخصيّة حسن وخوفه او عن امتزاج الثقافات وتداخلها ، سمعت ان أحمد ماهر
يتبنّي سينما فيلليني في فيلمه هذا ، في أفلام فيلليني هُناك دراسات
لشخصيّاته واتقان له بصمة خاصة وروح خفيفة تتجاوز بها حتّى عدم وجود حدّوتة تقليديّة
كما في أشهر افلامه La
Dolce Vita و 8 1/2 ، تخرج
من الفيلم مُتذكراً جداً لوحاته واسباب ضياع شخصيّاته او ازماتهم ، لكن أحمد ماهر هُنا
يُقدم شخصيات مضطربة تائهة لا تفهم لها دوافع طوال أحداث الفيلم ، المُفترض أن خط
الأحداث الرئيسي هُنا هو رحلة ذاتيّة في داخل حسن الخائف دوماً ،
في بداية الفيلم نحن لا نعرف شيئاً عن حسن سوى انّه كان يتمني ان يكون رجل مطافئ لكنه تحول الي عامل
بريد ، وهذا بالطبع لا يخدم اطلاقاً الفكرة المبني عليها السرد في الفيلم وهي نفي السببيّات
، كان لابد أن نعرف أي شيء "مُفيد" عن ماضيه وعلاقته بالمرأة ، قناعتي الشخصيّة ان ماهر حاول المزج
بين سينما فيلليني و أنجيوبوليس و المزج بين الواقع والخيال لكنّه تاه بين النوعين
وأخرج لنا جنيناً مُشوّهاً على صعيد الصورة ، هُناك مجهود كبير من الكاست الايطالي
في العمل ، لكن المُشكلة ان الايقاع المتذبذب طوال الأحداث وخصوصاً في النصف
الثاني يُفقد الصورة أي نوعٍ من المُعايشة ويمنحها البرود ، في النصف الأوّل حركة الكاميرا
مُرهقة للعين ، في الثالث تبدو فعّالة جداً في تصوير الخناق حول شخصيّة حسن .
شريط الصُوت في الفيلم بديع جداً ، يُقدّم تأريخاً للتطور في الموسيقي
، لخدمة فكرة الامتزاج الثقافي لكن النص نفسه يُهمل هذا الخط ويتخبّط بعيداً ، أداءات
الفيلم باهتة باستثناء محمد شومان و المُخضرم عُمر الشريف الذي رُبما يكون قد أنقذ الفيلم ، خالد النبوي
يُقدم اداءً سيئاً الي حد بعيد ، طريقة مشيته التي يُقلد فيها عُمر الشريف
في الجُزء الثاني كاريكاتوريّة جداً ، ديكور أنسي أبو سيف منح
الفيلم نوع من البهاء خصوصاً في الجُزء الأوَّل .
الخلاصة ان الفيلم طمُوح جداً ، ورغم توافر الامكانيّات الا ان الفيلم
مُشكلته الاساسيّة كانت على الورق ، لو كان هذا فيلماً واقعياً فهو لا منطقي
ومُفكّك ، ولو كان فانتازياً فالأمر غير مُحكم .
0 التعليقات :
إرسال تعليق