كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4/5
بطولة : آندريه ديسولييه ، نيلز
آريستروب
إخراج : فولكر شلوندورف (2014)
بيد أن أهمية هذا العمل لا تنحصر بجرأته و حدة موضوعه المطروقة بالشكل الأكثر بُعداً عن السينما و الأكثر قُرباً من مسرح الأحداث الذي تقتبس منه , و إنما أيضاً بنفضه الغبار عن حجرة قيادة مليئة بالأسرار إبان الحرب الثانية بمعالجة درامية ناضجة تضرب في صميم الحدث و تكشف النقاب عن بعض التفاصيل السياسية التي رُبما نكون قد سمعنا بها سابقاً و لكننا نشاهدها للمرة الأولى على الشاشة ، الفضل الأكبر في ذلك يعود إلى السيناريو الرصين الذي كتبه الألماني المُخضرم فولكر شلوندورف بمعية كاتب العمل المسرحي المُقتبس بالمعنى الحرفي (كوادره و مُمثليه) للشاشة .
لا يعود الفلم الى المعالجة الأيديولوجية في خصوص حرب تسربت من بين
أنامل مُفتعليها - أسوة بغيره من الأفلام الأخرى - بل يهتم بالتحليل الإجتماعي و النفسي
لقائد حين يُوضع أمام إختيار تقرير مصير أمة بكاملها و هي تواجه أفظع إبتكار جاء
به الانسان الى الأرض : الحرب ، من أصعب الأمور التي سيواجهها أي كاتب سيناريو
لموضوع كهذا هو التمهيد الصحيح و الجمع الحذر بين حقيقة سياسية تاريخية و الدراسة
السلوكية للشخصيات التي عاصرت الحدث , خاصة و أن الحدث يبدأ و ينتهي مع شخصين
مُتشابهين في كونهما (دبلوماسيين( فطرياً , الأول جنرال
ألماني أعهدت أليه مهمة محو الأرض الباريسية قبل الإنسحاب المُبكر منها و الثاني
هو القنصل السويدي الذي يحل مكان الطرف المُقابل (الجنرال الفرنسي) في التوصل الى
حل سلمي يُبقي على الأرض و أرواح ساكنيها .
بعد خمسة عقود على مرثية الفرنسي رينيه كليمنت Is Paris Burning التي تسنى لي مُشاهدتها في بدء هذا العام , جاء فلم شلوندورف كإستثارة لبعض الأفكار بعين الطرف الآخر (الألماني) و كإجابة مؤكدة عن بعض الأسئلة التي رفعتها مُشاهدة عمل الأول ، كان من الضروري على شلوندورف أن ينشر هذا الغسيل المُتسخ أمام العلن مرة أخرى و على شاشة مستطيلة كي ندرك فظاعة الأمر ونشعر به في عقر داره ؛ نشعر بظلم النازية في جعل كل مصير أرض أوربية غير حليفة أشبه بمصير الأرض البرلينية المُندحرة التي إنبثقت منها , نشعر بحيف المنزوين تحت لوائها في إبتزاز قادة الجيش الألماني و تهديدهم بسوء عاقبة مُخالفة أهدافها الدكتاتورية , و نشعر أيضاً بقيمة القائد حين يوضع أمام الإختيار رغم كل ذلك!
)دبلوماسية) عمل سينمائي ثقيل بثقل الحوار الذي يصوغه , صلب بصلابة أدآءاته الفنية التي ترفع من قيمة أكتسبها مُسبقاً , مُتألق بالنص السينمائي الذي يجعل من المُشاهد طرفاً (دبلوماسياً) آخر فيه , مُبهر بصرياً رغم قلة المشاهد الخارجية و إحتجاز المُشاهد في (زنزانة) أتخاذ القرار , و أخيراً ، عمل يستحق الإشادة بمجموع جزئياته هذه .
0 التعليقات :
إرسال تعليق