كتبت
: فاطمة توفيق
التقييم
: 4.5/5
بطولة :
كارلو ديلي بياني ، فاليريا بروني تيديتشي
إخراج :
عباس كيارستامي ، كين لوتش ، إرمانو أولمي (2005)
بإمكانك أن تتخيل مدى
الجمال والفن الذي ستشاهده في فيلم يحكي قصص مختلفة عن مسافرين في قطار واحد ،
ومخرجي الفيلم هم إرمانو أولمي ، عباس كيارستامي ، وكين لوتش ، وبعيداً عن التاريخ السينمائي العظيم لكل منهم ، فهم مِن أكثر مَن
يحكون عن شخصياتهم بشكل طيب حنون ، وكأنهم آباء يحكي كل منهم عن ابنه أو يصنع
حياته بشكل طيب يجبر بخاطره في ظل ما تفرضه الحياة من قسوة.
والفيلم هو ليس فقط
رحلة في قطار وإنما رحلة استكشاف للنفس البشرية من خلال أشكال مختلفة كالحب ،
الأمنيات المستحيلة ، الماضي المؤلم ، العلاقات العائلية ، الصداقة ، والمصلحة
الفردية ، وعشوائية الفرص وما تفرضه من خيارات.
في المقطع الأول من
إخراج إرمانو أولمي ، تظهر شخصية عالم الصيدلة العجوز الذي يضطر لأن يسافر بالقطار
لاضطراب الاجراءات الأمنية ليلحق بعيد مولد حفيده ، تحجز له تذكرته تلك الموظفة
اللطيفة التي تعمل بالشركة والتي لا تفارق خيال العجوز وهو عائد في رحلته بالقطار ،
ومع انتقال ناعم بين ذكريات العجوز وحديثه عن ابنته وحفيده ، وبين تلك اللحظات
العذبة التي يتبادل فيها العجوز والموظفة الأحاديث والنظرات الصامتة يخلق إرمانو
أولمي قصة حب بين شخصيات طيبة ، قصة قد تكون بعيدة المنال غير واضحة
المعالم ، مع نغمات البيانو الدافئة المنبعثة من ماضي الرجل واضطرابه وتردده في
الكتابة أو الحديث يستطيع أولمي إخراج الروح الطفولية البريئة من شخصياته ، الروح التي لا تشوبها
شائبة ، كبياض الحليب ، الذي انسكب في المشهد ، وكالذي اشتراه الرجل ليعوض به
الحليب المسكوب ، فأولمي لا يقطع الأمل عن شخصياته أبداً.
هناك ملحوظة لا
أستطيع تجاهلها في مقطع أولمي وهي طريقة إظهاره للجيوش والعساكر ، كيف أظهرهم يتسمون بالصلف ،
يتدخلون في حياة البشر ، يفرّقونهم ، ويفرضون قوانينهم عليهم.
في المقطع الثاني من
إخراج عباس كيارستامي قد لا تجد شاعرية كيارستامي إيران ولكنك ستشاهد
واقعيته في رصد ردود أفعال البشر تجاه ما يواجهونه ، بحثه عن ماضيهم ، دوافعهم ،
ضعفهم ، من خلال أرملة الجنرال العجوز والشاب الذي يقضي خدمته المجتمعية من خلال
مرافقتها وخدمتها ، اختيار كيارستامي لشخصيتين متفردتين هكذا ليجعلهما رفقة في سفر صعب طويل ومزعج كان
عبقرياً ، فبين امراة عجوز تتحسر على ماضيها من شباب وجمال ونفوذ ترفض تخليها عنه ،
تظهر نفسها قوية رغم أنف ما يحدث ، وشاب يتكشف لنا ماضيه وكيف ضيع حياته السابقة
ليجعل من ضعف كل منهما مصدر قوة تصاعد الأحداث بينهما ، مصدر اختلافهما وتنافرهما
، وأنا اشاهد كنت أفكر كيف أن كياروستامي ذو روح سينمائية
شابة متحددة لا تشيخ ، قادر على التجريب والتجديد بشكل ذكي مبدع في كل فيلم يقدمه
مهما اختلفت الظروف او الأماكن وإطار الفيلم الذي يقدمه من خلاله.
في المقطع الثالث من
إخراج كين لوتش نشاهد ثلاثة شباب اسكتلنديين يسافرون لتشجيع فريقهم ، ومن حيث لا
يتوقعون يفقدون تذكرة سفر أحدهم ، ويبدؤون في الشك في سرقة التذكرة من قبل تلك
الأسرة المهاجرة الفقيرة التي تسافر معهم على القطار ، وبين اموالهم الناقصة التي
لن يستطيعوا بها دفع غرامة السفر بدون تذكرة وبين حال الأسرة المثير للشفقة يضع كين
لوتش وكاتب المقطع بول لافرتي موقف الشباب الثلاثة على المحك ، أجمل ما في الأمر ان كين
لوتش يظهر الحياة كما هي ، فالنهاية قد لا تكون مرتبطة بالأحداث المؤدية
لها ، فالمشاعر والحظ والذكاء وسخرية الأقدار أو رحمتها تتظافر جميعاً لتخلق نهاية
وفرص و حياة جديدة.
في المجمل ، اختيار
القطار كمكان لعرض كل تلك الأحداث والأبعاد في شخصيات من يعيشونها وبين الانتقال
بين المحطات المختلفة ، وشغل الآخرين لوقتك ولمساحاتك الخاصة ، كله كان تعبيرا
مُجمِلا ورمزيا ومكثفاً عن الحياة بشكل عام ، ومع الأسماء التي قامت بإخراج العمل
جعلت منه فيلماً على مستوى فني وإنساني عالٍ يندر تكراره.
0 التعليقات :
إرسال تعليق