كتب : محمد السجيني
التقييم : 4.5/5
بطولة : لارس رودولف ، هانا شيغولا ، بيتر فيتز
إخراج : بيلا تار (2000)
في المَجر ، وبعد
ثلاثة افلام فقط ، وُصِفَ بيلا تار بأنّه (مُخرج بشِع) ، قرأت ذات مرّة ، ولم اتعجّب حين يدخُل احد ما
عالم من عوالم بيلا تار ، يجد نفسه مُنعزلاً بالضرورَة ، يتوحَّد مع ابطاله ،
ويبدُو مثلهم تماماً ، دخلت عالم بيلا تار ،
وصدّقته ، صدّقت غُربة شخصيّاته ومُعاناتها من تراكمات الزمَن ، صدّقت ضبابيّة
سمائه وبرد اجوائه ، اندمَجت في حركته المحدُودة وايقاعه البطيء ، حتّي ثقلت نفسي .
وفي عمله هذا ،
مستوحيًا رواية The Melancholy of
Resistance يتحدّث بيلا تار عن بلدة مجريَّة ينتابها الكساد الاقتصَادي ، ويأتي
الكثير من الناس فاقدي الاخلاق والانسانيّة واقفين لمُشاهدة سيرك مُتجوِّل في
مقطُورة عملاقة تحوي حوتًا ضخمًا ويُدير السيرك شخص مَجهول يُدعي الأمير ، لا
حُضور له وانّما يظهر ظلّه فقط ، بعدها يختل نظام البلدَة ويتوجّه المئات الي
مُستشفي البلدَة ويدمّرونه .
بيلا تار لا يعرِض
قصّة مُسلسلَة واضحَة المعالم ، لكنّه ايضًا لا يعرض عملاً شديد الرمزيّة مُستحيل
القراءة وانّما يطرَح تساؤلاته من خلال (يانوس) شخصيّته الرئيسيّة ، وهو غارق في نظريّات موسيقي الماني
يُدعي فركمايستر - عاش في القرن السابع عشر – و يناجيه يانوس كمجَاز
عن المُوازنة بين الجمال والفلسفة في الموسيقي ، ويُجبر مُشاهديه علي التعمُّق في
شخصيّاته وحواراته ، يطرَح التساؤلات ويبدُو كمن يسعَي للإيمَان والكمال الروحي ،
وكعادته يتحدَّث عن البؤس ، والفراغ الروحي ، والنفوس المُثقلة ، احبُّ هذا الرجُل
في جزئيّة لا يجيدهَا أي مُخرج آخر - باستثناء الروسي العظيم اندريه تاركوفيسكي
- الرجُل يمنح أحداثُه فترتها الزمنيّة كاملة علي الشاشة ، يُتابع مُمثّليه في كُل
لحظاتهم وحركاتهم ، يجعل صمتهم مُوحيًا و بذلك يجعل أي شيء تلتقطه الكاميرا هو
حدَث قائم بذاته وبالتالي يبطيء بيلا تار مشاهده ، يستخدم اللقطَات الطويلَة - في فيلمه هذا
استخدم 39 لقطة فقط في ساعتين وعشرون دقيقة !! – و تكُون افلامه بالأبيض والاسود ،
لا يكترث بالايقاع اطلاقًا ويبدُو كمن يرصد الحياة بايقاعاتها المُختلفة .
هذا فيلم عن الموت
القريب الذي يمتص الحيَاة ، عن الضبَاب الذي يكتنف النفوس ويقيّدها ، يُحَاول فيه
الرجُل اكتشاف اوروبا الشرقيّة واوضاعها ، ويرسم صورة مُتشائمة للوضع ، ينجَح
في زرع مضمُونه في الشكل الذي اختاره منذ بداية مشواره السينمائي ، ويجعلني اتيقّن
انّه مُخرج عظيم ،عندما اتأمَّل النتيجَة النهائيّة لحكايا بيلا تار ، اخرُج
راضيًا .
0 التعليقات :
إرسال تعليق