الأحد، 7 مارس 2010

The Seventh Continent

كتب : عبدالعزيز النجيم

التقييم : 5/5

بطولة : دايتيه بيرنر , بيرجيت دول , أودو ساميل
إخراج : مايكل هنيكيه (1989)

في بداية يملؤها الفراغ والدهشة , دقائق و دقات ، حيث آلة غسيل السيارات تبدو في خضم الصمت القاتل شاهداً يتيماً على الحياة ، الحياة ؟! ، لا تقل هذه الكلمة مرة اخرى !!

 مايكل هنيكيه في استهلال مشواره المثير مع السينما ، يجلّي بعنف عن العنف ، و يروي الحكاية ، حكاية عن عائلة ألمانية مكونة من أب و أم و بنت صغيرة ، تقضي اول عشر دقائق مع هذه العائلة دون ان ترى وجه احد منها ، فالوجوه و الاسماء في هذا الفيلم ليست بتلك الأهميّة   !

حياة هذه العائلة الصغيرة يعلوها الروتين و الجمود و التبلّد أحياناً ، و هناك شاشة تلفزيون يقضون امامها بعض الوقت ثم يخلدون إلى النوم ، و في الصباح موال شبيه بموال البارحة حيث الزوج يذهب إلى عمله و الزوجة كذلك و البنت الصغيرة تذهب إلى مدرسة ، لكن شيء ما حدث في ذلك اليوم ، حيث الطفلة ادّعت أمام معلمتها أنها أصيبت بالعمى , في لحظات تعكس لكـ بوضوح ذاك الفراغ , و الإثارة التي احتاجت إليه هذه الطفلة في ظل الجمود الذي يطبق عليها .

يمر العام و الآخر يتبعه و من جديد آلة غسيل السيارات حيث الأيام تشبه بعضها ما عدا بعض التطورات التي تصاحبهم في أعمالهم ، أو ما قد يشاهدونه أو يسمعونه عن حياة الآخرين في أعمالهم أو ربما في الشارع خلال الذهاب و العودة من البيت و إليه .

حدث ذلك في احدى الليالي حيث كانوا في طريق عودتهم إلى المنزل حيث مروا بحادث مروري بشع , ملئ الأجواء بطابع الأسف , بمزيج من الكآبة و القلق , حيث هنا و في اللحظة بالذات تبدأ الأسئلة حول المعاني الكليّة للحياة و المغزى منها ، تلك الأسئلة التي سوف تتفاقم لاحقاً ، وبعد أن يزور الزوج والديه برفقة عائلته بعد سنوات من الغياب , يزمع الزوجان قرارهما المفاجئ بالرحيل إلى استراليا , او على الأقل هذا ما اخبرا به الجميع , أهلهم ، أعمالهم ، الجميع , لكن الحقيقة لم تكن أستراليا هي غاية القصد , بل هو مكان ما أبعد من أستراليا , حيث ذاكـ الشاطئ الهادئ الحالم الذي ترسوا فيه أرواحهم القلقة أخيراً .

إن ذاك الشاطئ الذي لا تصل إليه إلا بالموت , والتخلص من تلك الحياة القلقة المملة ، إنه سؤال كبير ، ما هي الجدوى من الحياة إن كانت بهذا السأم , و الفتور ، و الألم ؟ إذن فالموت هو ذاك الشاطئ بعينه ، حيث السلام أخيراً ،،، لقد كان هذا ما يريد هينكيه أن يقوله ، فلقد كان يعرض بعد الفينة والأخرى تصوراً لذلك الشاطئ , واضعاً نصب عينيه ذاكـ الهدف من البداية ، يالها من ثورة تلك التي اعلنها الزوجين , كان ذلك قرار الدمار الشامل لكل ملامح الحياة في منزلهما , الأثاث , الملابس , الصور . الذكريات بل وحتى حوض الأسماك , تكسير و تحطيم و تدمير ، بكل عنف ، و هناك مفارقة عجيبة . أن هذا التدمير الشامل لتلك الشواهد ، كان هو الشيء الوحيد في الفيلم الذي يرمز للحياة ، صخبها ، إثارتها .
لقد كان هذا التدمير ، هو الثورة على السأم ، على الملل ، على الرتابة ، لقد كان هو الحياة ؛ في خضم حياة كان عنوانها الموات ، و المغزى منها مجرد مرور الأيام ، و المقاومة مع الحياة , لمجرد ذاكـ المرور العابر الذي ينتهي أكيداً بالموت ، حيث كل شيء مخول أن يتقتلك ، الإبرة ، حادث سيارة ، أو ربما الهرم والكبر في السن ،
إذن ما هي الجدوى من كل المعاناة ، إنها ثورة ، على غرابتها تبدو منطقية   !!

آخر مشاهد الفيلم كانت بشعة و مخيفة ، هي طريقة الإنتحار ، حيث الطفلة أولاً بحقنة أثناء نومها ، ثم الزوجة بتناولها حفنه من الأدوية ، و أخيراً الزوج  !

الجانب البصري في الفيلم مبتكر بشكل مذهل , الكاميرا كانت منقاده لسحر هينكيه بكل رقيّ و تجلي ، المونتاج برأيي هو الظاهرة البصريّة الأكثر إبهاراً و ابتكاراً ، فلقد تفنن هينكية بالقطع و التوقيت ، الموسيقى !! لا مكان للموسيقى في هذا الفيلم  ! ، بإختصار حاز هذا الفيلم العظيم تميزاً كبيرا في كافة الجوانب ، الفنيّة و السرديّة و التقنية و استحق برأيي أن يكون هو الفيلم الأيقونه لسينما هنيكيه ، هذا الفيلم الذي يعتبر الجزء الأول من ثلاثيته الثلجيّة  .

( THE END )


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter