كتب : عبدالعزيز النجيم
التقييم : 5/5
بطولة : دايتيه بيرنر , بيرجيت
دول , أودو ساميل
إخراج : مايكل هنيكيه (1989)
في بداية يملؤها الفراغ
والدهشة , دقائق و دقات ، حيث آلة غسيل السيارات تبدو في خضم الصمت القاتل شاهداً يتيماً
على الحياة ، الحياة ؟! ، لا تقل هذه الكلمة مرة اخرى !!
مايكل هنيكيه في استهلال مشواره المثير
مع السينما ، يجلّي بعنف عن العنف ، و يروي الحكاية ، حكاية عن عائلة ألمانية
مكونة من أب و أم و بنت صغيرة ، تقضي اول عشر دقائق مع هذه العائلة دون ان ترى وجه
احد منها ، فالوجوه و الاسماء في هذا الفيلم ليست بتلك الأهميّة !
حياة هذه العائلة الصغيرة
يعلوها الروتين و الجمود و التبلّد أحياناً ، و هناك شاشة تلفزيون يقضون امامها بعض
الوقت ثم يخلدون إلى النوم ، و في الصباح موال شبيه بموال البارحة حيث الزوج يذهب إلى
عمله و الزوجة كذلك و البنت الصغيرة تذهب إلى مدرسة ، لكن شيء ما حدث في ذلك اليوم
، حيث الطفلة ادّعت أمام معلمتها أنها أصيبت بالعمى , في لحظات تعكس لكـ بوضوح ذاك
الفراغ , و الإثارة التي احتاجت إليه هذه الطفلة في ظل الجمود الذي يطبق عليها .
يمر العام و الآخر يتبعه
و من جديد آلة غسيل السيارات حيث الأيام تشبه بعضها ما عدا بعض التطورات التي تصاحبهم
في أعمالهم ، أو ما قد يشاهدونه أو يسمعونه عن حياة الآخرين في أعمالهم أو ربما في
الشارع خلال الذهاب و العودة من البيت و إليه .
حدث ذلك في احدى الليالي
حيث كانوا في طريق عودتهم إلى المنزل حيث مروا بحادث مروري بشع , ملئ الأجواء بطابع
الأسف , بمزيج من الكآبة و القلق , حيث هنا و في اللحظة بالذات تبدأ الأسئلة حول المعاني
الكليّة للحياة و المغزى منها ، تلك الأسئلة التي سوف تتفاقم لاحقاً ، وبعد أن يزور الزوج والديه برفقة عائلته بعد سنوات من الغياب , يزمع الزوجان
قرارهما المفاجئ بالرحيل إلى استراليا , او على الأقل هذا ما اخبرا به الجميع , أهلهم ، أعمالهم
، الجميع , لكن الحقيقة لم تكن أستراليا هي غاية القصد , بل هو مكان ما أبعد من أستراليا , حيث
ذاكـ الشاطئ الهادئ الحالم الذي ترسوا فيه أرواحهم القلقة أخيراً .
إن ذاك الشاطئ الذي لا
تصل إليه إلا بالموت , والتخلص من تلك الحياة القلقة المملة ، إنه سؤال كبير ، ما هي الجدوى من الحياة إن كانت بهذا السأم , و الفتور
، و الألم ؟ إذن فالموت هو ذاك الشاطئ بعينه ، حيث السلام أخيراً ،،، لقد كان هذا ما
يريد هينكيه أن يقوله ، فلقد كان يعرض بعد الفينة والأخرى تصوراً لذلك
الشاطئ , واضعاً نصب عينيه ذاكـ الهدف من البداية ، يالها من ثورة تلك التي
اعلنها الزوجين , كان ذلك قرار الدمار الشامل لكل ملامح الحياة في منزلهما , الأثاث
, الملابس , الصور . الذكريات بل وحتى حوض الأسماك , تكسير و تحطيم و تدمير ، بكل عنف ، و هناك مفارقة عجيبة . أن هذا التدمير الشامل لتلك الشواهد ، كان هو الشيء
الوحيد في الفيلم الذي يرمز للحياة ، صخبها ، إثارتها .
لقد كان هذا التدمير ،
هو الثورة على السأم ، على الملل ، على الرتابة ، لقد كان هو الحياة ؛ في خضم حياة
كان عنوانها الموات ، و المغزى منها مجرد مرور الأيام ، و المقاومة مع الحياة , لمجرد
ذاكـ المرور العابر الذي ينتهي أكيداً بالموت ، حيث كل شيء مخول أن يتقتلك ، الإبرة
، حادث سيارة ، أو ربما الهرم والكبر في السن ،
إذن ما هي الجدوى من كل
المعاناة ، إنها ثورة ، على غرابتها تبدو منطقية !!
آخر مشاهد الفيلم كانت
بشعة و مخيفة ، هي طريقة الإنتحار ، حيث الطفلة أولاً بحقنة أثناء نومها ، ثم الزوجة
بتناولها حفنه من الأدوية ، و أخيراً الزوج !
الجانب البصري في الفيلم
مبتكر بشكل مذهل , الكاميرا كانت منقاده لسحر هينكيه بكل رقيّ و تجلي ، المونتاج برأيي هو الظاهرة البصريّة الأكثر إبهاراً و ابتكاراً ، فلقد
تفنن هينكية بالقطع و التوقيت ، الموسيقى !! لا مكان للموسيقى
في هذا الفيلم ! ، بإختصار حاز هذا الفيلم العظيم تميزاً كبيرا في كافة الجوانب ، الفنيّة
و السرديّة و التقنية و استحق برأيي أن يكون
هو الفيلم الأيقونه لسينما هنيكيه ، هذا الفيلم الذي يعتبر
الجزء الأول من ثلاثيته الثلجيّة .
( THE END )
0 التعليقات :
إرسال تعليق