كتب
: أحمد أبو السعود
التقييم : 4.5/5
بطولة :
كاثي بيتس ، جيمس كان
إخراج :
روب راينر (1990)
يخلق
روب راينر حالة
من التواصل البصرى الفعّال مع شخصية آني
ويلكس ، بداية
من أول ظهور لها على الشاشة انتهاءاً بمصيرها المُفجع مروراً بالتصاعدات النفسية المُعقدة
التى تُحدثها الشخصية طوال الأحداث .
تُخبرنا
الصورة مُبكراً جداً أن شخصية آني ويلكس هى شخصية
مشوهة حتى و إن لم يتضح لنا كمُشاهدين أى ملامح لتلك الشخصية ، هناك من يُنقذ الكاتب
المشهور بول شيلدون من موت
محقق تحت عاصفة ثلجية شديدة ، لا نرى سوى يد ذلك المُنقذ ، ثم يظهر صوت المُنقذ على
شريط الصوت ناطقاً الجملة الشهيرة : I'm Your Number One Fan ثم يظهر وجه الشخصية و لكن روب
راينر يُظهره
لنا فى جزء زمنى لا يتعدى الثانية الواحدة Blurred ، مدخل
سريع و فعّال جداً للتعريف بالشخصية التى تبدو أمامنا ودودة و لطيفة ، جزء من قوة السيناريو
هنا أنه يُقنعنا فعلاً فى البداية بأنها شخصية ودودة و لطيفة ، و كاثي
بيتس- فى أداء عبقرى - تتولى المهمة على أكمل وجه
؛ ضحكتها البريئة ، نظراتها ، أداءها الحركى المتزن ، و براءتها و خجلها فى كل جمل
الحوار ، ثم يأتى مشهد ما ، مشهد عادى لا يوحى بأى شىء ، حوار اعتيادى بين الكاتب المشهور
و مُعجبته الشديدة ، تُبدى رأيها فيما قرأته من روايته التى لم تُنشر بعد ، تتحدث كاتى
بيتس بخجلها
الذى اعتدناه ثم يأتى انتقادها الوحيد للرواية على الألفاظ الخارجة فيها ، هنا تتشكل
لدينا صورة أوسع و أشمل لشخصية آني ويلكس ؛ ملابسها
المحتشمة جداً ، الصليب الذى تعلقه على رقبتها ، عزلتها فى بيت منعزل بدوره عن القرية
بأكملها ، ثم انتقادها للألفاظ الخارجة المنتشرة فى الرواية ، روب
راينر فى هذا
المشهد يختار زاوية تصوير و حجم كادر يُظهران آني
ويلكس بشكل
مخيف إلى حد ما ، كأنه ينتقل بالبناء البصرى للفيلم إلى مرحلة جديدة من التعقيد النفسى
و الرعب ، نلاحظ هنا أن بول شيلدون تعامل
مع انتقادها فى البداية باستهتار خفيف و حاول أن يفسر لها سبب وجود الألفاظ الخارجة
فى الرواية كالشخص الذى يحاول أن يفسر لطفل صغير شىء يبدو بديهى و خارج إطار إبداء
الأسباب ، هنا تثور آني ويلكس فى مونولوج
قصير صاخب يُعطينا لمحة قوية عن التعقيد النفسى الذى تحمله بداخلها ، مع الحفاظ على
نفس زاوية التصوير و حجم الكادر و دخول موسيقى موترة على شريط الصوت و يقطع روب
راينر مرة على
وجه توم شيلدون الذى
يبدو عليه الاستغراب .. قوة السيناريو من الممكن أن نلمحها بشدة فى هذا المشهد : السيناريو
لم يأخذ وقتاً طويلاً للتأسيس النفسى للشخصيات بل هو يترك الأمور تسير فى مسار طبيعى
حتى يأخذ من المُشاهد رد فعل المعايشة ؛ رد فعل توم
شيلدون على انفعال
آني ويلكس ، و يُضيف
روب راينر للسيناريو
حالة بصرية قوية و فعّالة تبنى شخصية آني ويلكس بشكل تصاعدى يجعل من تفاعل المُشاهد
معها تجربة مُرعبة بحق .
جزء آخر
من جمال السيناريو أنه خلق حالة من التواصل بين شخصية "ميزرى - بطلة
روايات توم شيلدون" و بين آني
ويلكس ، نحن
لا نعرف أى شىء عن ميزرى و لكن
السيناريو يُخبرنا تدريجياً عن آني، فى أحد مشاهد الفيلم عندما يحاول توم
شيلدون الهروب
و يحاول فتح الباب يقول لنفسه : لقد كتبت عن هذه الأمور ، يُمكنك فعلها .. ثم يفعلها
و يفتح الباب ، ظلّ سنوات كثيرة يكتب عن شخصية مُظلمة و معقدة نفسياً حتى أنه أسماها
ميزرى التى
تعنى بؤس ، و لكنه فى الحقيقة لم يقابل مثل هذه الشخصية ، ثم يقابل آني
ويلكس ، آني
هى ميزرى ، آني
انتفضت غضباً عندما قرأت فى آخر روايات توم
شيلدون أن ميزرى ستموت
، يقول لها بأن روحها ستظل موجودة ، ترد بكل عنف بأنها لا تريد روحها ، هى تُريدها
هى ، تُريد الشخصية أن تظل حية ، تتهمه بقتل الشخصية ، ثم تقرر معاقبته بشكل صريح و
واضح ، ستحبسه ، ستُدخله معها فى عُزلتها ، ستجعله يحرق روايته التى لم تُنشر بعد كنوع
من التطهير لأنها - حسب كلامها - ظهرت له كى تُنير له الطريق السليم و تُطهره من آثامه
، تفرح آني ويلكس - كالطفلة - بعد ذلك عندما تجعل توم يُرجع
ميزرى إلى الحياة
ثانية فى رواية جديدة تجعله يكتبها ، نقطة يستغلها توم فى نهاية
الفيلم كى يتخلص من سجن آني.
لا يقع
روب راينر فى فخ
اللعب البصرى المُبالغ فيه ، الفيلم يبدو بسيطاً على المستوى البصرى ، لا زوايا تصوير
غريبة ، لا إضاءة قوطية منتشرة طول الفيلم ، الرجل يختار زاوية التصوير التى تعطى لآني
هالة من الرعب تجعلها تبدو كوحش فعلاً ، كالمشهد الذى دخلت فيه على توم و هو
نائم بعد اكتشافها أن ميزرى ماتت
، أو المشهد الذى تثور فيه عندما تتحدث عن المسرحية التى شاهدتها منذ فترة ؛ تبدأ اللقطة
متوسطة و تتنهى بكلوز على وجهها ، و تتحرك الكاميرا بشكل يُحافظ أولاً على زاوية التصوير
إياها و ثانياً يخلق تلك الهالة المُرعبة التى تجعل المُشاهد ينتفض رعباً من آني
ويلكس .
كاتى
بيتس تتألق
هنا بشكل غير اعتيادى ، مزيج من عظمة أداء كُلاً من بيت
ديفس فى بيبى
جاين و أنتونى بيركنز فى تحفة
هيتشكوك سايكو ، شخصية
آني ويلكس نفسها تبدو مزيجاً من الاثنين ، تُحافظ كاثي
بيتس طوال
الوقت على أداء حركى يتأرجح بين البلاهة و السذاجة و الجزء الطفولى فى شخصية آني
ويلكس و بين
الجوهر الحقيقى للشخصية : وحش لا يرحم ، فى الحقيقة الجزء الطفولى الساذج من الشخصية
ماهو إلا غطاء مُزيف للجحيم النفسى الذى تحمله الشخصية و كاثي
بيتس تتفهم
ذلك بشكل عظيم ، تتحول هى كُلياً فى مشاهد الغضب إلى وحش : الأداء الحركى ، النظرات
، تعبيرات الوجه ، نبرات الصوت ، وحش قاتل يكاد ينقض علينا من الشاشة .
يقول
روب راينر أنه أثناء
مرحلة كتابة السيناريو كان هو و ويليام جولدمان - السيناريست
الذى استدعاه راينر للقيام
بعملية الاقتباس - يتخلصان من أجزاء كثيرة شديدة الرعب موجودة فى رواية ستيفن
كينج و أنه
أراد أن يُركز أكثر على فكرة مباراة الشطرنج التى يتم بناءها طوال الفيلم بين الكاتب
و مُعجبته ، فخرج الفيلم فى النهاية أصيلاً ، قوياً ، ذا شخصية جعلته صامداً و مُحتلاً
مركزاً متقدماً فى أى قائمة أفلام رعب
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق