كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 3.5/5
بطولة : أحمد زكي ، يسرا ، جميل راتب
إخراج : صلاح أبو سيف (1986)
هذا فيلم ظريف حقاً ،
أعتقد أنها أول تجربة لي مع صلاح أبو سيف حيث يكون مؤلفاً ، وليس مُقتبِساً ، على ما يبدو
أن الرجل كان يجيد الكوميديا ، لكنه انتظر كثيراً حتى نرى ذلك ، حيث قدم أعمال
درامية عدة أصبحت من أهم أعمال السينما المصرية ، فيلم (البداية) ربما لا
يكون في الصف الأول من أعمال أبو سيف ، لكنه يبقى من مفضلاتي له ، حيث يمكننا ملاحظة أنه
عمل تم صنعه باسترخاء كبير ، وسخرية أكبر.
ينتهي الفيلم بعبارة
للمخرج يخبرنا فيها أنه ود لو كان الفيلم بعيد عن الواقع ، لكن الطبع يغلب التطبع ،
فأصبح الفيلم واقعياً مثل بقية أفلامه ، ربما كان كلامه صحيحاً على مستوى طرحه
الذي قدمه ، فالفيلم كان استعارة ساخرة من الأوضاع السياسية والاجتماعية
والاقتصادية في البلاد ، أوضاع حالية وأوضاع تنبأ بها فحدثت فيما بعد، كترديد
عبارة "الثورة مستمرة" مثلاً ، أحداث أخرى لم تحدث ، مثل المفاوضات
بين السلطة والثوار كحل سلمي بعد المظاهرات.
الفيلم يبقى لديه
أكثر من ذلك ، فهو يهتم بالحالة الإنسانية في صورتها البدائية ، على غرار عنوانه
يفترض كيف لو تكون البداية ، بعد أن تعلمت البشرية درسها ، أو هل تعلمته حقاً ؟
على مستوى التفاصيل ، الفيلم ليس واقعي بالمرة ، حيث تبدو مثلاً ملابس المجموعة
التائهة في الصحراء وكأنهم أمضوا يوماً واحداً فقط فيها ، لكن مقصد أبو سيف
بالنسبة للواقع – كما رآه دوماً – معنى ، وليس شكل.
على أي حال لم تستمر
البداية طويلاً ، فالنهاية تأتي متى اكتشف الإنسان رغبته في الملكية ، فيلجأ للعنف
والجريمة. الفيلم امتلك الكثير من الجرأة فعلاً ، فأشار إلى السلطة التي تستخدم
الدين كوسيلة قمعية ، تساعد في بقاء الأوضاع كما هي عليه ، ورضاء الشعب بقدر مزعوم
لا فرار منه ، حيث يكون المُلكُ من عند الله فقط ، (نبيه) رجل الأعمال
والمحامي مثَّل السلطة في سعيها استغلال جهل المجتمع ، محاولة إلصاق تهمة الإلحاد
بالديمقراطية وتصويرها كعمل شيطاني.
السلطة كذلك تحتاج
إلى ذريعة لوجودها ، ولا يوجد سبب أهم من تنظيم الحياة في مقابل نهب الثروة بالطبع
، كما تحتاج كذلك إلى بسط نفوذها وإحكام قبضتها الأمنية ، لذا كانت الحاجة لفرض
الأخلاق بالقوة ، أي فرض الشرطة. كل شيء يبدو عقلاني ، وكل المبررات منطقية ، جميع
من في الواحة حسن النية ، لا يوجد شخص سيء النية سوى المثقف الذي يعرف التاريخ
جيداً ، بالإضافة إلى المشاهد طبعاً.
السلطة كذلك احتاجت
إلى استمالة العلم والإعلام ، حتى تتمكن من السيطرة الكلية على عقل الشعب ، فطالما
الطريق إلى قلبه مستحيل ، عليهم أن يجعلوه بلا قلب ، كما أصبح بلا عقل ، الشيء
الظريف أن تلك السلطة جاءت بالصدفة البحتة ، عن طريق لعب (الملك والكتابة)
، شيء طريف لابد أن يذكرني بالقدر الكاذب في فيلم الأخوين كوين No Country For Old
Men ، وإن لم يكن بتلك القتامة طبعاً ، كما قررت
السلطة أن مساعدة المريض والعاجز تقع مسؤوليتها على الأفراد وليس الدولة ، لو كان
الفيلم متشائم أكثر لأوحي أن مسؤولية كل شيء ستقع على الأفراد بالكامل مستقبلاً.
الفيلم به عدد لا بأس
به من الأغاني الساخرة من الاضطهاد والديكتاتورية ، ربما النزعة الوطنية كذلك ،
موسيقى عمار الشريعي تأرجحت بين موسيقى خفيفة الظل وموسيقى ثقيلة
الوقع. التصوير لم يكن ساحراً رغم الموقع البديع والإمكانية المتاحة ، لقطة واحدة
جديرة بالثناء في أول الفيلم تظهر يد تحجب الشمس ، المونتاج كان جيد خاصة حين لجأ
إلى القطع التبادلي الفكاهي بين حوارين مختلفين لكن بينهما توازي.
الكوميديا داخل
الفيلم كانت رزينة مما زادها جمالاً ، تناولت السخرية من أوضاع البلد الاقتصادية
ومن رجال الأعمال اللصوص ، بالإضافة إلى تلميحات مبطنة كالخطر الشيوعي والعلم
الأحمر ، لم يلجأ الفيلم إلى الاستخفاف سوى لبعض الوقت في مشهد المحاكمة ، ولكن تم
تعويض ذلك بأن لعبت السلطة دور القاضي والمحامي والنيابة العامة ، يظل أفضل لحظات
الفيلم عندما سخر مما يقدمه التلفاز بكسر واضح للواقعية ، كما يبقى الفيلم مديناً
بدين هائل للمعلم بونويل ، وتلك عبارة أجدها لاإرادية عند التحدث عن تلك النوعية
من الأفلام.
"وبتبنوا بيت اللي
سرقكم، وحكمكم بالصدفة العامية."
0 التعليقات :
إرسال تعليق