الاثنين، 27 يونيو 2016

Taxi Tehran

كتبت : فاطمة توفيق

التقييم : 4/5

إخراج : جعفر بناهي (2015)

الفيلم الأخير للإيراني جعفر بناهي والذي حاز على جائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين عام 2015 سيدفع مُشاهدُه ومن الوهلة الأولى لتذكر فيلم (عشرة) للمخرج الإيراني أيضاً عباس كياروستامي، بالطبع السبب المبدئي والذي سيربط بين الفيلمين هو مكان تصوير الفيلم وطريقة تصويره حيث يعتمد كلا الفيلمين على كاميرا مثبتة داخل سيارة متنقلة في شوارع طهران تلتقط تفاصيل يوم قائدها واختلاف الشخصيات التي تنتقل معه من خلال السيارة باختلاف حياة كل منهم وآراؤهم المتنوعة تجاه كل شيء تقريباً.

ولكن يظل هذا السبب - التشابه في طريقة ومكان التصوير - وإن كان أساسياً فهو مبدئي في الربط بين الفيلمين، حيث أن السبب الرئيسي في التشابه بين كليهما هو التساؤل الذي يطرحه مخرجا الفيلمين طوال مدة العرض وهو ما هي السينما؟ كيف تتداخل مع الحياة؟ وما هي الحدود التي يمكن الالتزام بها أو تخطيها للتعبير من خلالها عن الحياة كما هي بحقيقتها؟ بل ربما يكون التساؤل الأهم هو أين يقع الخط الواهي والذي يفصل بين الحقيقة وعكسها؟ حيث أن المُشاهد للفيلمين وبالذات لفيلم جعفر بناهي - حيث يظهر بشخصيته متنكراً كسائق سيارة أجرة - سيظل متسائلاً هل ما نشاهده على الشاشة حقيقي؟ هل اتفق بناهي مع هؤلاء الأشخاص على تنفيذ خطة فيلمه أم أن كل ما يحدث تلقائياً؟ أم أنه مزيج بين هذا وذاك؟ ولا يتوقف الأمر على تساؤل مُشاهدي الفيلم وإنما يطرح بناهي التساؤل نفسه بشكل صريح من خلال أحد شخصيات الفيلم وكأنه يخبر المشاهد أنني معك، أشترك معك في هذا التساؤل وأحاول البحث معك عن إجابة له. ربما، بعد مرور منتصف مدة عرض الفيلم، وتزايد تراكم الأحداث والشخصيات سنكتشف مع بناهي أن هذا السؤال والذي اعتبرناه مهما في البداية وهو تحديد الخط الفاصل بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك ليس تساؤلا مهما، لأننا ربما سنحيا حياتنا كلها ونحن غير قادرين على تحديد هذا الخط الفاصل، وأن اختلاف الأمور عن بعضها هو فقط مجرد اختلاف في الإدراك أو اختلاف للزاوية التي ننظر من خلالها للأمور.

في الفيلم هنا شيء زائد عن فيلم Ten لعباس كياروستامي، وإن كان قام به عباس في نهاية فيلمه Taste of Cherry ، وهو عرض اللحظات التي يتم فيها تغيير الحياة / الحقيقة وتحويلها إلى سينما، حيث تلاحظ الفتاة الصغيرة ابنة أخت بناهي طفلا يقوم بجمع القمامة وهو يلتقط مبلغ سقط على الأرض من عريس أثناء جلسة تصويره، تقوم الفتاة بمحاولة اقناع الفتى بإعادة المبلغ إلى صاحبه لتقوم بتصوير فيلمٍ عن (إنكار الذات) لتُسلّمُه في مشروع مدرسي مطلوب منها، في خلفية هذا المشهد نشاهد المصور الذي يقوم بتصوير العريس وعروسه وهو يعيد محاولة التقاط صورة أو فيديو لهما مرات عديدة تصل إلى درجة الملل حتى يصل إلى لقطة مثالية يحتفظان بها. هنا بناهي يُظهر الفتاة وهي تحاول تغيير الحقيقة من أجل مشروع ستحصل في مقابله على درجات من مدرستها، ويظهر المصور وهو يُرغِم العروسين على ادعاء لحظة ما يحاول التقاطها من خلال محاولاته المتكررة المستميتة لتصوير ما هو غير تلقائي غير حقيقي، يُظهِر العروسين نفسيهما وهما يستجيبان لمحاولات ذلك المصور لالتقاط تلك اللحظة، بمنتهى البساطة هنا بناهي ينتقد السينما، وصناعتها، والادعاء المصاحب لأفلام كثيرة منها فقط للالتزام بما هو سائد، للالتزام بالقواعد، أو لمحاولة إرضاء جمهور ما أو سلطة ما، هنا بناهي يقوم بتشريح ذلك الفرق الموجود بين ما هو خلف الكاميرا وما يظهر أمامها، ذلك الفرق الذي ربما كان سببا رئيسياً في منعه من صناعة السينما.

هذا الانتقاد ربما يكون هو الأهم الذي يتم طرحه من خلال الفيلم ولكنه يأتي ضمن انتقادات عديدة يقدمها بناهي من خلال الفيلم، انتقادات لا يقدمها بشكل وعظي مزعج وإنما من خلال التفاصيل الحياتية العادية للشخصيات التي تظهر أمام كاميرته، حيث ستجد انتقادات لنظام الحكم في إيران، نظام التعليم، وضع المرأة، المواقف الأخلاقية التي يتبناها البشر في حياتهم العادية، منظور الناس عن الدين باختلافهم، أشياء كثيرة يعرضها بناهي من خلال الفيلم بشكل سلس مريح يشبه طيبته المعهودة التي ستجدها في أفلامه السابقة.

في نهاية الفيلم تقوم سيدة بإهداء بناهي وردة، هذا السيدة التي ستتذكر مشهدا ما من فيلمه السابق Offside  لتقارنه بمشهد ما من الحياة الواقعية تتشارك مع شخصيات كثيرة ظهرت في الفيلم في هذا الأمر، وهو تذكر مشهد ما من فيلم ما ومقارنته بموقف تعرضوا له في حياة كل منهم، بل إن الكاميرا/السينما التي يستخدماها بناهي في نقل ما يحدث سيتم سرقتها في النهاية كما حدث معه بالفعل في حياته، وكأنه من خلال تكرار المقارنة بين السينما والحياة وأيضاً بالتكثيف المفاجئ الذي يحدث في النهاية يعيدنا للتساؤل الأول في الفيلم وهو ماهي السينما؟ كيف تتداخل مع حياتنا؟ وأين ذلك الخط الذي يفصل ما نشاهده على الشاشة عمّا يحدث في الحياة؟


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter