الاثنين، 16 يونيو 2014

The Others

كتب : أحمد أبو السعود

التقييم : 5/5

بطولة : نيكول كيدمان ، كريستوفر إيكلستن
إخراج : أليخاندرو أمينابار (2001)

على قدر كبير من الثقة يُمثل هذا الفيلم بالنسبة لي أحد كلاسيكيات الرعب التي قُدمت في الألفية الجديدة ، على الرغم من اعتماده الشكلي على تيمات تم استهلاكها كثيراً قبله و بعده ، لكن السبب الحقيقي الذى أوصلني في النهاية لتلك النتيجة هو أن أول مشاهدة لي للفيلم كانت بعد أن تم حرق أحداثه و نهايته لي و كانت على الرغم من ذلك تجربة مثيرة و ممتعة و تحمل مع كل إعادة نفس القدر من المتعة و الإثارة .

ما الجديد الذى يحمله الفيلم إذن ؟ ، البناء الدرامي للفيلم قوى و مثير للتأمل يبدأ بفويس أوفر لنيكول كيدمان تحكى فيه بداية الخليقة لأطفالها على خلفية رسومات يدوية لا نعرف عنها شيئاً ، ثم مع تجاوز تلك المقدمة تنطلق صرخة قوية مُفزعة ، يلعب البناء الدرامي للفيلم على ترسيب صور و معلومات ضبابية ليس لها أي تفسير في لاوعي المُشاهد كالرسومات في افتتاحية الفيلم و تظل تتراكم تلك المعلومات مُحدثة سيلاً هائلاً من الغموض و تُلقى المُشاهد وسط أتون قوي من الأسئلة التي لا يتم الإجابة عنها أبداً إلا في نهاية الأحداث ، لذلك تأتى تلك النهاية كلحظة تنوير قوية تنتقل معها تلك المعلومات التي تراكمت في اللاوعي إلى الوعي الحاضر فتتضح حقيقتها و كأنها كانت نتيجة منطقية و معروفة بالنسبة لي منذ بداية الفيلم .

الجميل أكثر أن تلك المراوغة التي يُحدثها الفيلم بين اللاوعي و الوعي متماشية بطريقة عظيمة مع أحداث تحدث بالأساس في منطقة ما بين الحياة و الموت و شخصيات تائهة في تلك المنطقة العدمية الضبابية و يضعنا الفيلم منذ البداية هناك في تلك المنطقة حيث الضباب يُحيط بالمكان فارضاً عزلة غريبة على الشخصيات ، و حيث أشباح تتجول في المكان بدون أي سبب واضح و حيث وتر مشدود تتلاعب عليه الشخصيات ما بين شبه إدراك للحقيقة و ما بين إنكارها ، و يتلاعب السيناريو الذكي هنا بالظرف التاريخي الذى يقع في خلفية الأحداث لرسم فواصل ذكية تملأ تلك المنطقة الرمادية بين الحياة و الموت و يجعل كل شىء قابلاً للتصديق و غير قابلٍ للتصديق في نفس الوقت و يصل به الأمر للتلاعب بحقيقة الدين نفسه و العلاقة بالرب لتكملة تلك الفواصل لتصل درجة الشك بالشخصيات إلى إنكار شديد لما حدث بالفعل و في نفس الوقت عدم التكيف مع الوضع الجديد .

يتلاعب أمينابار بالصورة كما يتلاعب السيناريو بالشخصيات ، يرسم مع كل إطار بصرى يقدمه غموضاً يحمل بداخله الكثير من الأسئلة و لا يجيب أبداً عن تلك الأسئلة إلا مع النهاية ، حدة الغموض موجودة منذ أول مشهد ، منذ الوصول المُفاجىء و الغير متوقع بالنسبة لجريس للخدم الجدد ، و يلتقط أمينابار من النظرات و طريقة الكلام ما يمكن إضافته لتلك الأطر البصرية فتزداد جرعة الغموض فيها ، و لا تجارى الصورة أبداً ما تحاول جريس أن تثبته أو أن تجد له أجوبة بل بالعكس تدفعها كل مرة إلى نقطة الصفر ، فعندما تخرج من المنزل قاصدة الكنيسة تجد ضباباً يُجبرها على العودة في حين أن إجابة أسئلتها كان موجوداً في حديقة منزلها و لم تعر له انتباهاً ، عندما كانت تفتش المنزل عن الدخلاء يقودها البحث عما ليس له علاقة بما كانت تبحث عنه ، الأمر معقد بالفعل ؛ ذلك التداخل الرهيب بين الصورة و الأحداث و التلاعب الذى يحدث بشخصيات الفيلم ، فالصورة تضرب في الاتجاهين : الغموض و محاولة البحث عن الحقيقة ، الأحداث تقود جريس دائماً بعيداً عما تحاول أن تثبته و في نفس الوقت تحمل معها في كل تصاعد معلومات لها علاقة وثيقة بالنهاية و لكن يُراكمها الفيلم في لا وعي جريس و بالتالي في لاوعي المُشاهد .

سبب آخر أقدره في العمل هو أن السيناريو اعتمد على ضخ كمية كبيرة من التساؤلات و الغموض طيلة الأحداث و كثّف في النهاية كل الأجوبة على تلك التساؤلات ، عنصر المفاجأة هنا يتحقق - في رأيي - بأصعب الطرق و أكثرها إمتاعاً ، يعتمد على متعة الاكتشاف و إشراك المُشاهد في عملية البحث عن الحقيقة لا الاعتماد فقط على عنصر الخضة ، لذلك إعادة مشاهدة الفيلم هي تجربة - بالنسبة لي - تحمل معها كل مرة نفس الإثارة و المتعة لأنى أجد نفسى مستغرقاً تماماً في تفاصيل رحلة البحث تلك مُخزناً المعلومات و الصور و التساؤلات منتظراً لحظة النهاية لربط الأمور ببعضها .
 
نيكول كيدمان تقدم هنا أحد أعظم الأدوار التي قًدمت في الألفية ، تلعب شخصية صعبة و مُعقدة ، شخصية تتلاعب بدون أن تدرى بحقيقة وضعها ، شخصية تقع بين كونها أماً تبذل كل ما في وسعها لحماية أطفالها و بين كونها زوجة ذهب عقلها في لحظة ضعف و فعلت ما فعلت ، نظرات نيكول كيدمان دائماً تحمل ذلك الشعور ، الشعور بإدراكها الحقيقة مع إنكار شديد لها فى نفس الوقت ، و تحمل على كتفها عبء الغموض و الإثارة التي يحققها الفيلم فتقدم أداءاً مرعباً يمتص قوة السيناريو و الأسلوب الإخراجي المتميز للفيلم .

هناك تعليق واحد :

  1. هناك لقطة بنهاية الفيلم
    لنيكول كيدمان لـــحظة
    ان تيقنت انها هى (الشبـح)
    وليس الأخرين ارتسم على وجهها
    تعبير لا استطيع وصفه ولكنه فى نظرى
    يساوى (مليووون دولار ومليون اوسكار)

    ردحذف

Flag Counter